أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٤ - الصفحة ٤٢٩
المنطوق، فلو سألك سائل مثلا قائلا: هل علي جناح في أن أصلي الخمس المكتوبة؟ وقلت له: لا جناح عليك في ذلك، لم يلزم من ذلك أنك تقول: بأنها غير واجبة، وإنما قلت: لا جناح في ذلك، ليطابق جوابك السؤال، وقد دلت قرينتان على أنه ليس المراد رفع الجناح، عمن لم يسع بين الصفا والمروة.
الأولى منهما: أن الله قال في أول الآية * (إن الصفا والمروة من شعآئر الله) * وكونهما من شعائر الله، لا يناسبه تخفيف أمرهما برفع الجناح عمن لم يطف بينهما، بل المناسب لذلك تعظيم أمرهما، وعدم التهاون بهما، كما أوضحناه في أول هذا المبحث.
والقرينة الثانية: هي أنه لو أراد ذلك المعنى لقال: فلا جناح عليه ألا يطوف بهما، كما قالت عائشة لعروة، وقد تقرر في الأصول: أن اللفظ الوارد جوابا لسؤال لا مفهوم مخالفة له، لأن المقصود به مطابقة الجواب للسؤال، لا إخراج المفهوم عن حكم المنطوق، وقد أوضحنا هذا في سورة البقرة في الكلام على آية الطلاق، وإلى ذلك أشار في مراقي السعود بقوله عاطفا على ما يمنع اعتبار دليل الخطاب، أعني مفهوم المخالفة: والقرينة الثانية: هي أنه لو أراد ذلك المعنى لقال: فلا جناح عليه ألا يطوف بهما، كما قالت عائشة لعروة، وقد تقرر في الأصول: أن اللفظ الوارد جوابا لسؤال لا مفهوم مخالفة له، لأن المقصود به مطابقة الجواب للسؤال، لا إخراج المفهوم عن حكم المنطوق، وقد أوضحنا هذا في سورة البقرة في الكلام على آية الطلاق، وإلى ذلك أشار في مراقي السعود بقوله عاطفا على ما يمنع اعتبار دليل الخطاب، أعني مفهوم المخالفة:
* أو جهل الحكم أو النطق انجلب * للسؤل أو جرى على الذي غلب * ومحل الشاهد منه قوله: أو النطق انجلب * للسؤل.
ومعنى ذلك: أن المنطوق إذا كان جوابا لسؤال فلا مفهوم مخالفة له، لأن المقصود بلفظ المنطوق مطابقة الجواب للسؤال، لا إخراج المفهوم عن حكم المنطوق.
فإن قيل: جاء في بعض قراءات الصحابة * (فلا جناح عليه أن يطوف بهما) * كما ذكره الطبري، وابن المنذر وغيرهما، عن أبي بن كعب، وابن مسعود، وابن عباس رضي الله عنهم.
فالجواب من وجهين:
الأول: أن هذه القراءة لم تثبت قرآنا لإجماع الصحابة على عدم كتبها في المصاحف العثمانية، وما ذكره الصحابي على أنه قرآن، ولم يثبت كونه قرآنا. ذهب كثير من أهل العلم إلى أنه لا يستدل به على شيء، وهو مذهب مالك، والشافعي، ووجهه أنه لما لم يذكره إلا لكونه قرآنا، فبطل كونه قرآنا بطل من أصله، فلا يحتج به على شيء، وقال بعض أهل العلم: إذا بطل كونه قرآنا لم يمنع ذلك من الاحتجاج به كأخبار الآحاد، التي ليست بقرآن، فعلى القول الأول: فلا إشكال، وعلى الثاني: فيجاب عنه بأن القراءة
(٤٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 424 425 426 427 428 429 430 431 432 433 434 ... » »»