أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٤ - الصفحة ٤٤٠
الثلاثة: أبو حنيفة، والشافعي، وأحمد، وعطاء، ومجاهد، والزهري، وابن جريج، والثوري، ويحيى القطان، وابن المنذر، كما نقله عنهم ابن قدامة في المغني، وعزا النووي هذا القول للجمهور.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: لا يخفى أن ظاهر الروايات: أن النبي صلى الله عليه وسلم وجميع من معه جمعوا وقصروا، ولم يثبت شيء يدل على أنهم أتموا صلاتهم بعد سلامه في منى ولا مزدلفة ولا عرفة، بل ذلك الإتمام في مكة، وقد قدمنا أن تحديد مسافة القصر لم يثبت فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وأن أقوى الأقوال دليلا: هو أن كل ما يطلق عليه اسم السفر لغة تقصر فيه الصلاة كما أوضحنا ذلك بأدلته في سورة النساء في الكلام على قوله تعالى: * (وإذا ضربتم فى الا رض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلواة) *.
وقال العلامة ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد ما نصه: فلما أتمها يعني الخطبة، يوم عرفة، أمر بلالا، فأذن، ثم أقام فصلى الظهر ركعتين، أسر فيهما بالقراءة، وكان يوم الجمعة. فدل على أن المسافر لا يصلي جمعة، ثم أقام، فصلى العصر ركعتين أيضا، ومعه أهل مكة وصلوا بصلاته قصرا وجمعا بلا ريب، ولم يأمرهم بالإتمام، ولا بترك الجمع، ومن قال إنه قال لهم (أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر) فقد غلط عليه غلطا بينا، ووهم وهما قبيحا، وإنما قال لهم ذلك في غزاة الفتح بجوف مكة، حيث كانوا في ديارهم مقيمين، ولهذا كان أصح أقوال العلماء أن أهل مكة يقصرون، ويجمعون بعرفة، كما فعلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي هذا أوضح دليل على أن سفر القصر لا يتحدد بمسافة معلومة، ولا بأيام معلومة، ولا تأثير للنسك في قصر الصلاة البتة، وإنما التأثير لما جعله الله سببا، وهو السفر. هذا مقتضى السنة ولا وجه لما ذهب إليه الملحدون. انتهى كلام ابن القيم رحمه الله.
وقد قدمنا قول من قال: إن القصر والجمع المذكور، لأهل مكة من أجل النسك، والعلم عند الله تعالى.
ولا يخفى أن حجة من قالوا: بإتمام أهل مكة صلاتهم في عرفة ومزدلفة ومنى، هو ما قدمنا من تحديدهم للمسافة بأربعة برد أو ثلاثة أيام. وعرفة ومزدلفة ومنى أقل مسافة من ذلك، قالوا: ومن سافر دون مسافة القصر أتم صلاته، هذا هو دليلهم.
الفرع الخامس: اعلم أن الصعود على جبل الرحمة الذي يفعله كثير من العوام
(٤٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 435 436 437 438 439 440 441 442 443 444 445 ... » »»