أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٤ - الصفحة ٤٣٣
دم وأنه إن ترك منه ثلاثة أشواط فأقل لزمه عن كل شوط نصف صاع، وحجة الجمهور أن المسافة للسعي محددة من الشارع، فالنقص عن الحد مبطل كما هو ظاهر، وحجة أبي حنيفة، من وافقه كطاوس هي تغليب الأكثر على الأقل، مع جبر الأقل بالصدقة، ولا أعلم مستندا من النقل للتفريق بين الأربعة والثلاثة، ولا لجعل نصف الصاع مقابل الشوط. والعلم عند الله تعالى.
الفرع الخامس: اعلم أنه لا يجوز السعي في غير موضع السعي، فلو كان يمر من وراء المسعى، حتى يصل إلى الصفا والمروة من جهة أخرى لم يصح سعيه، وهذا لا ينبغي أن يختلف فيه. وعن الشافعي في القديم: أنه لو انحرف عن موضع السعي انحرافا يسيرا أنه يجزئه. والظاهر أن التحقيق خلافه وأنه لا يصح السعي إلا في موضعه.
الفرع السادس: اعلم أن الأظهر أقوال أهل العلم دليلا: أنه لو سعى راكبا أو طاف راكبا أجزأه ذلك، لما قدمنا في الصحيح من أنه صلى الله عليه وسلم طاف في حجة الوداع بالبيت، وبين الصفا والمروة، وهو على راحلته، ومعلوم أن من أهل العلم من يقول: لا يجزئه السعي، ولا الطواف راكبا إلا لضرورة ومنهم: من منع الركوب في الطواف، وكرهه في السعي إلا لضرورة، ومنهم من يقول: إن ركب ولم يعد سعيه ماشيا، حتى رجع إلى وطنه فعليه الدم. والأظهر هو ما قدمنا. لأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف راكبا، وسعى راكبا، وهو صلوات الله وسلامه عليه لا يفعل إلا ما يسوغ فعله، وقد قال لنا (خذوا عني مناسككم) والذين قالوا: إن الطواف والسعي يلزم فيهما المشي. قالوا: إن ركوبه لعلة وبعضهم يقول: هي كونه مريضا كما جاء في بعض الروايات، وبعضهم يقول: هي أن يرتفع، ويشرف حتى يراه الناس ويسألوه، وبعضهم يقول: هي كراهيته أن يضرب عنه الناس، وقد قدمنا الروايات بذلك في صحيح مسلم، ففي حديث جابر عند مسلم: طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبيت في حجة الوداع على راحلته يستلم الحجر بمحجنه، لأن يراه الناس وليشرف، وليسألوه فإن الناس قد غشوه. وفي رواية في صحيح مسلم عن جابر رضي الله، طاف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، على راحلته بالبيت وبالصفا والمروة ليراه الناس، وليشرف، وليسألوه فإن الناس قد غشوه. وفي صحيح مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها: طاف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع حول الكعبة على بعير يستلم الركن، كراهية أن يضرب عنه الناس.
(٤٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 428 429 430 431 432 433 434 435 436 437 438 ... » »»