الإنسان تبلد عقله، وقلت فطنته، قاله الرازي. ثم قال: واعلم أنه لا سبيل إلى إنكار الخواص: فإن أثر المغناطيس مشاهد إلا أن الناس قد أكثروا فيه وخلطوا الصدق بالذكب، والباطل بالحق ا ه كلام الرازي.
وقال ابن كثير رحمه الله بعد أن ذكر هذا النوع من السحر نقلا عن الرازي: قلت: يدخل في هذا القبيل كثير ممن يدعي الفقر، ويتحيل على جهلة الناس بهذه الخواص مدعيا أنها أحوال له: من مخالطة النيران: ومسك الحيات إلى غير ذلك من المحاولات انتهى كلام ابن كثير.
النوع السابع من أنواع السحر المذكور تعليق القلب، وهو أن يدعي الساحر أنه قد عرف الاسم الأعظم، وأن الجن يطيعون وينقادون له في أكثر الأحوال: فإذا اتفق أن كان السامع لذلك ضعيف العقل قليل التمييز اعتقد أنه حق: وتعلق قلبه بذلك: حصل في نفسه نوع من الرعب والمخافة: وإذا حصل الخوف ضعفت القوى الحساسة: فحينئذ يتمكن الساحر من أن يفعل ما يشاء. قال الرازي: وإن من جرب الأمور وعرف أحوال أهل العلم علم أن لتعلق القلب أثرا عظيما في تنفيذ الأعمال وإخفاء الأسرار. وقال ابن كثير بعد أن نقل هذا النوع من السحر عن الرازي: هذا النمط يقال له التنبلة، وإنما يروج على ضعفاء العقول من بني آدم. وفي علم الفراسة ما يرشد إلى معرفة كامل العقل من ناقصه. فإذا كان النبيل حاذقا في علم الفراسة عرف من ينقاد له من الناس من غيره.
النوع الثامن من أنواع السحر السعي بالنميمة والتضريب من وجوه لطيفة خفية وذلك شائع في الناس ا ه. والتضريب بين القوم: إغراء بعضهم على بعض. وقال ابن كثير رحمه الله بعد أن نقل هذا النوع الأخير عن الرازي قلت: النميمة على قسمين: تارة تكون على وجه التحريش بين الناس، وتفريق قلوب المؤمنين. فهذا حرام متفق عليه. فأما إن كانت على وجه الإصلاح بين الناس، وائتلاف كلمة المسلمين كما جاء في الحديث (ليس الكذاب من ينم خيرا) أو يكون على وجه التخذيل والتفريق بين جموع الكفرة، فهذا أمر مطلوب كما جاء في الحديث (الحرب خدعة)، وكما فعل نعيم بن مسعود في تفريقه بين كلمة الأحزاب وبين قريظة، جاء إلى هؤلاء ونمى إليهم عن هؤلاء، ونقل من هؤلاء إلى أولئك شيئا آخر، ثم لأم بين ذلك فتناكرت النفوس وافترقت. وإنما يحذو على مثل هذا الذكاء ذو البصيرة النافذة. والله المستعان.