أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٤ - الصفحة ٣٠
فالقياس في مصدره الميمي واسم مكانه وزمانه كلها المفعل (بفتح الميم وكسر العين) ما لم يكن معتل اللام. فإن كان معتلها فالقياس فيه المفعل (بفتح الميم والعين) كما هو معروف في فن الصرف.
فإذا علمت ذلك، فاعلم أن قوله تعالى في هذه الآية الكريمة: * (أجعل * بيننا وبينك موعدا) * صالح بمقتضى القياس الصرفي لأن يكون مصدرا ميميا بمعنى الوعد، وأن يكون اسم زمان يراد به وقت الوعد، وأن يكون اسم مكان يراد به مكان الوعد. ومن إطلاق الموعد في القرآن اسم زمان قوله تعالى: * (إن موعدهم الصبح) * أي وقت وعدهم بالإهلاك الصبح. ومن إطلاقه في القرآن اسم مكان قوله تعالى: * (وإن جهنم لموعدهم أجمعين) * أي مكان وعدهم بالعذاب.
وأوجه الإشكال في هذا أن قوله: * (لا نخلفه نحن ولا أنت) * يدل على أن الموعد مصدر. لأن الذي يقع عليه الإخلاف هو الوعد لا زمانه ولا مكانه. وقوله تعالى: * (مكانا سوى) *. يدل على أن الموعد في الآية اسم مكان.
وقوله: * (قال موعدكم يوم الزينة) * يدل على أن الموعد في الآية اسم زمان. فإن قلنا إن الموعد في الآية مصدر أشكل على ذلك ذكر المكان في قوله: * (مكانا سوى) *، والزمان في قوله: * (يوم الزينة) * وإن قلنا: إن الموعد اسم مكان أشكل عليه قوله * (لا نخلفه) * لأن نفس المكان لا يخلف وإنما يخلف الوعد، وأشكل عليه أيضا قوله: * (قال موعدكم يوم الزينة) *. وإن قلنا: إن الموعد اسم زمان أشكل عليه أيضا قوله: * (لا نخلفه) *، وقوله * (مكانا سوى) * هذه هي أوجه الإشكال في هذه الآية الكريمة. وللعلماء عن هذا أجوبة منها ما ذكره الزمخشري في الكشاف قال: لا يخلو الموعد في قوله * (فاجعل بيننا وبينك موعدا) * من أن يجعل زمانا أو مكانا أو مصدرا. فإن جعلته زمانا نظرا في أن قوله * (موعدكم يوم الزينة) * مطابق له لزمك شيئان: أن تجعل الزمان مخلفا وأن يعضل عليك ناصب * (مكانا) * وإن جعلته مكانا لقوله تعالى * (مكانا سوى) * لزمك أيضا أن توقع الإخلاف على المكان، ولا يطابق قوله * (موعدكم يوم الزينة) * إلى أن قال: فبقي أن يجعل مصدرا بمعنى الوعد ويقدر مضاف محذوف، أي مكان الوعد، ويجعل الضمير في * (نخلفه) * للموعد و * (مكانا) * بدل من المكان المحذوف.
(٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 ... » »»