أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٤ - الصفحة ٣٣
* (قالوا ياموسى إمآ أن تلقى وإمآ أن نكون أول من ألقى * قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى * فأوجس فى نفسه خيفة موسى * قلنا لا تخف إنك أنت الا على * وألق ما فى يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى * فألقى السحرة سجدا قالوا آمنا برب هارون وموسى) * قوله تعالى: * (قالوا ياموسى إمآ أن تلقى وإمآ أن نكون أول من ألقى) *. ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن السحرة لما جمعهم فرعون واجتمعوا مع موسى للمغالبة قالوا له متأدبين معه: * (إمآ أن تلقى وإمآ أن نكون أول من ألقى) * وقد بين تعالى مقالتهم هذه في غير هذا الموضع. كقوله في (الأعراف): * (قالوا ياموسى إمآ أن تلقى وإمآ أن نكون نحن الملقين) *. وقد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك: أن من أنواع البيان التي تضمنها أن يحذف مفعول فعل في موضع، ثم يبين في موضع آخر، فإنا نبين ذلك، وقد حذف هنا في هذه الآية مفعول * (نلقي) *، ومفعول أول من * (من ألقى) * وقد بين تعالى في مواضع أخر أن مفعول إلقاء موسى هو عصاه وذلك في قوله في (الأعراف): * (وأوحينآ إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هى تلقف ما يأفكون) *، وقوله في (الشعراء): * (فألقى موسى عصاه فإذا هى تلقف ما يأفكون) *، وقوله هنا: * (وألق ما فى يمينك تلقف ما صنعوا) *. وما في يمينه هو عصاه. كما قال تعالى: * (وما تلك بيمينك ياموسى قال هى عصاى) *.
وقد بين تعالى أيضا في موضع آخر: أن مفعول إلقائهم هو حبالهم وعصيهم، وذلك في قوله في (الشعراء): * (فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون) *. وقد أشار تعالى إلى ذلك أيضا بقوله هنا * (قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى) *، لأن في الكلام حذفا دل المقام عليه، والتقدير: قال بل ألقوا فألقوا حبالهم وعصيهم فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى. والمصدر المنسبك من (أن) وصلتها في قوله * (أن تلقى) * وفي قوله * (أن نكون) * فيه وجهان من الإعراب: الأول أنه في محل نصب بفعل محذوف دل المقام عليه، والتقدير: إما أن تختار أن تلقي أي تختار إلقاءك أولا، أو تختار إلقاءنا أولا. وتقدير المصدر الثاني: وإما أن تختار أن نكون أي كوننا أول من ألقي، والثاني أنه في محل رفع، وعليه فقيل هو مبتدأ والتقدير إما إلقاؤك أول، أو إلقاؤنا أول. وقيل خبر مبتدأ محذوف، أي إما الأمر إلقاؤنا أو إلقاؤك. قوله تعالى: * (قال بل ألقوا) *. ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن نبيه موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام لما خيره سحرة فرعون أن يلقي قبلهم أو يلقوا قبله قال لهم: * (ألقوا) * يعني ألقوا
(٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 ... » »»