أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٤ - الصفحة ١٩١
قصر، أو نظافة أو دنس فهو في الدين. كما أول النبي صلى الله عليه وسلم القميص بالدين والعلم، والقدر المشترك بينهما أن كلا منهما يستر صاحبه ويجمله بين الناس.
ومن هذا تأويل اللبن بالفطرة لما في كل منهما من التغذية الموجبة للحياة وكمال النشأة، وأن الطفل إذا خلى وفطرته لم يعدل عن اللبن. فهو مفطور على إيثاره على ما سواه، وكذلك فطرة الإسلام التي فطر الله عليها الناس.
ومن هذا تأويل البقر بأهل الدين والخير الذين بهم عمارة الأرض، كما أن البقر كذلك، مع عدم شرها وكثرة خيرها، وحاجة الأرض وأهلها إليها. ولهذا لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم بقرا تنحر كان ذلك نحرا في أصحابه.
ومن ذلك تأويل الزرع والحرث بالعمل. لأن العامل زارع للخير والشر، ولا بد أن يخرج له ما بذره كما يخرج للباذر زرع ما بذره، فالدنيا مزرعة، والأعمال البذر، ويوم القيامة يوم طلوع الزرع وحصاده.
ومن ذلك تأويل الخشب المقطوع المتساند بالمنافقين، والجامع بينهما أن المنافق لا روح فيه ولا ظل ولا ثمر، فهو بمنزلة الخشب الذي هو كذلك. ولهذا شبه تعالى المنافقين بالخشب المسندة. لأنهم أجسام خالية عن الإيمان والخير. وفي كونها مسندة نكتة أخرى: وهي أن الخشب إذا انتفع به جعل في سقف أو جدار أو غيرهما من مظان الانتفاع، وما دام متروكا فارغا غير منتفع به جعل مسندا بعضه إلى بعض. فشبه المنافقين بالخشب في الحالة التي لا ينتفع فيها بها إلى آخر كلامه رحمه الله. وقد ذكر أشياء كثيرة من عبارة الرؤيا فأجاد وأفاد رحمه الله، وكلها راجعة إلى اعتبار النظير بنظيره، وذلك كله يدل دلالة واضحة على أن نظير الحق حق، ونظير الباطل باطل.
ثم قال ابن القيم رحمه الله: فهذا شرع الله وقدره ووحيه، وثوابه وعقابه، كله قائم بهذا الأصل وهو إلحاق النظير بالنظير، واعتبار المثل بالمثل: ولهذا يذكر الشارع العلل والأوصاف المؤثرة. والمعاني المعتبرة في الأحكام القدرية والشرعية والجزائية. ليدل بذلك على تعلق الحكم بها أين وجدت، واقتضائها لأحكامها، وعدم تخلفها عنها إلا لمانع يعارض اقتضاءها ويوجب تخلف آثارها عنها، كقوله تعالى: * (ذلك بأنهم شآقوا الله ورسوله) *، * (ذلكم بأنه إذا دعى الله وحده كفرتم) *، * (ذلكم بأنكم اتخذتم ءايات الله هزوا) *، * (ذلكم بما كنتم تفرحون فى الا رض بغير الحق وبما
(١٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 186 187 188 189 190 191 192 193 194 195 196 ... » »»