أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٤ - الصفحة ١٨٩
قوله تعالى: * (ومن ءاياته أنك ترى الا رض خاشعة فإذآ أنزلنا عليها المآء اهتزت وربت إن الذى أحياها لمحى الموتى إنه على كل شىء قدير) * فدل سبحانه عباده بما أراهم من الإحياء الذي تحققوه وشاهدوه، على الإحياء الذي استبعدوه، وذلك قياس إحياء على إحياء، واعتبار الشيء فنظيره، والعلة الموجبة هي عموم قدرته سبحانه وكمال حكمته، وإحياء الأرض دليل العلة، ومنه قوله تعالى: * (يخرج الحى من الميت ويخرج الميت من الحى ويحى الا رض بعد موتها وكذلك تخرجون) *.
فدل بالنظير على النظير، وقرب أحدهما من الآخر جدا بلفظ الإخراج، أي يخرجون من الأرض أحياء كما يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي، ومنه قوله تعالى: * (أيحسب الإنسان أن يترك سدى ألم يك نطفة من منى يمنى ثم كان علقة فخلق فسوى فجعل منه الزوجين الذكر والا نثى أليس ذلك بقادر على أن يحيى الموتى) * فبين سبحانه كيفية الخلق واختلاف أحوال الماء في الرحم إلى أن صار منه الزوجان الذكر والأنثى، وذلك أمارة وجود صانع قادر على ما يشاء، ونبه سبحانه عباده بما أحدثه في النطفة المهينة الحقيرة من الأطوار، وسوقها في مراتب الكمال، من مرتبة إلى مرتبة أعلى منها، حتى صارت بشرا سويا في أحسن خلقة وتقويم، على أنه لا يحسن به أن يترك هذا البشر سدى مهملا معطلا. لا يأمره ولا ينهاه، ولا يقيمه في عبوديته، وقد ساقه في مراتب الكمال من حين كان نطفة إلى أن صار بشرا سويا، فكذلك يسوقه في مراتب كماله طبقا بعد طبق، وحالا بل حال، إلى أن يصير جاره في داره يتمتع بأنواع النعيم، وينظر إلى وجهه، ويسمع كلامه إلى آخر كلام ابن القيم رحمه الله تعالى، فإنه أطال في ذكر الأمثلة على النحو المذكور، ولم نذكر جميع كلامه خوفا من الإطالة المملة، وفيما ذكرنا من كلامه تنبيه على ما لم نذكره، وقد تكلم على قياس الشبه فقال فيه:
وأما قياس الشبه فلم يحكه الله سبحانه إلا عن المبطلين. فمنه قوله تعالى إخبارا عن إخوة يوسف أنهم قالوا لما وجدوا الصواع في رحل أخيهم. * (إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل) * فلم يجمعوا بين الفرع والأصل بعلة ولا دليلها، وإنما ألحقوا أحدهما بالآخر من غير دليل جامع سوى مجرد الشبه الجامع بينه وبين يوسف، فقالوا هذا مقيس على أخيه بينهما شبه من وجوه عديدة، وذلك قد سرق فكذلك هذا، وهذا هو الجمع بالشبه الفارغ والقياس بالصورة المجردة عن العلة المقتضية للتساوي، وهو قياس فاسد، والتساوي في قرابة الآخوة ليس بعلة للتساوي في السرقة لو كان حقا ولا دليل على
(١٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 184 185 186 187 188 189 190 191 192 193 194 ... » »»