أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٤ - الصفحة ١٨٨
.
وفي بعض المراسيل: (إن الله يحب البصر النافذ عند ورود الشبهات، ويحب العقل الكامل عند حلول الشهوات. فقوله تعالى: * (فاستمتعتم بخلاقكم) * إشارة إلى اتباع الشهوات، وهوداء العصاة. وقوله: * (وخضتم كالذي خاضوا) * إشارة إلى الشبهات، وهو داء المبتدعة وأهل الأهواء والخصومات، وكثيرا ما يجتمعان. فقل من تجده فاسد الاعتقاد إلا وفساد اعتقاده يظهر في عمله. والمقصود أن الله أخبر أن في هذه الأمة من يستمتع بخلافه كما استمتع الذين من قبله بخلاقهم، ويخوض كخوضهم، وأن لهم من الذم والوعيد كما للذين من قبلهم، ثم حضهم على القياس والاعتبار بمن قبلهم فقال: * (ألم يأتهم نبأ الذين من قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وأصحاب مدين والمؤتفكات أتتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولاكن كانوا أنفسهم يظلمون) * فتأمل صحة هذا القياس وإفادته لما علق عليه من الحكم، وأن الأصل والفرع قد تساويا في المعنى الذي علق به العقاب وأكده كما تقدم بضرب من الأولى وهو شدة القوة وكثرة الأموال والأولاد، فإذا لم يتعذر على الله عقاب الأقوى منهم بذنبه فكيف يتعذر عليه عقاب من هو دونه. ومنه قوله تعالى: * (وربك الغنى ذو الرحمة إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشآء كمآ أنشأكم من ذرية قوم ءاخرين) *. فهذا قياس جلي، يقول سبحانه: إن شئت أذهبتكم واستخلفت غيركم، كما أذهبت من قبلكم واستخلفتكم، بذكر أركان القياس الأربعة: علة الحكم وهي عموم مشيئته وكمالها، والحكم وهو إذهابه إياهم وإتيانه بغيرهم، والأصل وهو ما كان من قبل والفرع وهم المخاطبون، ومنه قوله تعالى: * (بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله كذلك كذب الذين من قبلهم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين) * فأخبر أن من قبل المكذبين أصل يعتبر به، والفرع نفوسهم. فإذا ساووهم في المعنى ساووهم في العاقبة، ومنه قوله تعالى: * (إنآ أرسلنآ إليكم رسولا شاهدا عليكم كمآ أرسلنآ إلى فرعون رسولا فعصى فرعون الرسول فأخذناه أخذا وبيلا) * فأخبر سبحانه أنه أرسل موسى إلى فرعون، وأن فرعون عصى رسوله فأخذه أخذا وبيلا. فهكذا من عصى منكم محمدا صلى الله عليه وسلم. وهذا في القرآن كثير جدا فقد فتح لك بابه.
فصل وأما قياس الدلالة فهو الجمع بين الأصل والفرع، بدليل العلة وملزومها، ومنه
(١٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 183 184 185 186 187 188 189 190 191 192 193 ... » »»