عنهم لو لم يقل (وسلاما) لمات إبراهيم من بردها. وعن السدي: لم تبق في ذلك اليوم نار إلا طفئت. وعن كعب وقتادة: لم تحرق النار من إبراهيم إلا وثاقه. وعن المنهال بن عمرو: قال إبراهيم ما كنت أياما قط أنعم مني في الأيام التي كنت فيها في النار. وعن شعيب الحماني: أنه ألقي في النار وهو ابن ست عشر سنة. وعن ابن جريج: ألقي فيها وهو ابن ست وعشرين. وعن الكلبي بردت نيران الأرض جميعا، فما أنضجت ذلك اليوم كراعا. وذكروا في القصة: أن نمروذ أشرف على النار من الصرح فرأى إبراهيم جالسا على السرير يؤنسه ملك الظل، فقال: نعم الرب ربك، لأقرين له أربعة آلاف بقرة وكف عنه. وكل هذا من الإسرائيليات. والمفسرون يذكرون كثيرا منها في هذه القصة وغيرها من قصص الأنبياء.
وقال البخاري في صحيحه: حدثنا أحمد بن يونس، أراه قال: حدثنا أبو بكر عن أبي حصين عن أبي الضحى عن ابن عباس (حسبنا الله ونعم الوكيل) قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار، وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا: * (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل) * حدثنا مالك بن إسماعيل، حدثنا إسرائيل عن أبي حصين عن أبي الضحى عن ابن عباس قال: كان آخرهم قول إبراهيم حين ألقي في النار: (حسبي الله ونعم الوكيل) انتهى.
قوله تعالى: * (ونجيناه ولوطا إلى الا رض التى باركنا فيها للعالمين) *.
الضمير في قوله: * (ونجيناه) * عائد إلى إبراهيم. قال أبو حيان في البحر المحيط: وضمن قوله * (ونجيناه) * معنى أخرجناه بنجاتنا إلى الأرض. ولذلك تعدى (نجيناه) بإلى. ويحتمل أن يكون (إلى) متعلقا بمحذوف. أي منتهيا إلى الأرض، فيكون في موضع الحال. ولا تضمين في (ونجيناه) على هذا. والأرض التي خرجا منها: هي كوثى من أرض العراق، والأرض التي خرجا إليها: هي أرض الشام ا ه منه. وهذه الآية الكريمة تشير إلى هجرة إبراهيم ومعه لوط من أرض العراق إلى الشام فرارا بدينهما.
وقد أشار تعالى إلى ذلك في غير هذا الموضع. كقوله في (العنكبوت) * (فأامن له لوط وقال إنى مهاجر إلى ربى) *، وقوله في (الصافات:) * (وقال إنى ذاهب إلى ربى سيهدين) * على أظهر القولين. لأنه فار إلى ربه بدينه من الكفار. وقال القرطبي رحمه الله في تفسير قوله تعالى: * (وقال إنى ذاهب إلى ربى سيهدين) *: هذه