أهلكنا قوم هود، وجعلنا سبأ أحاديث ومزقناهم كل ممزق كل ذلك بسبب تكذيب الرسل، والكفر بما جاءوا به. وهذا هو معنى قوله: * (ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى) * كقوم صالح وقوم لوط وقوم هود وسبأ، فاحذروا من تكذيب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. لئلا ننزل بكم مثل ما أنزلنا بهم. وهذا الوجه لا ينافي قوله بعده * (أفهم الغالبون) * والمعنى: أن الغلبة لحزب الله القادر على كل شيء، الذي أهلك ما حولكم من القرى بسبب تكذيبهم رسلهم، وأنتم لستم بأقوى منهم، ولا أكثر أموالا ولا أولادا. كما قال تعالى: * (أهم خير أم قوم تبع والذين من قبلهم أهلكناهم) *. وقال تعالى: * (أفلم يسيروا فى الا رض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم وأشد قوة وءاثارا فى الا رض فمآ أغنى عنهم ما كانوا يكسبون) *، وقال تعالى: * (أولم يسيروا فى الا رض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الا رض وعمروهآ أكثر مما عمروها) *، إلى غير ذلك من الآيات.
وإنذار الذين كذبوه صلى الله عليه وسلم بما وقع لمن كذب من قبله من الرسل كثير جدا في القرآن. وبه تعلم اتجاه ما استحسنه ابن كثير رحمه الله من تفسير آية (الأنبياء) هذه بآية (الأحقاف) المذكورة كما بينا.
وقال الزمخشري في تفسير هذه الآية الكريمة: فإن قلت: أي فائدة في قوله * (نأتى الا رض) *؟ قلت: فيه تصوير ما كان الله يجريه على أيدي المسلمين، وأن عساكرهم وسراياهم كانت تغزو أرض المشركين، وتأتيها غالبة عليها ناقصة من أطرافها (ا ه منه). والله جل وعلا أعلم. قوله تعالى: * (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين) *. ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه يضع الموازين القسط ليوم القيامة. فتوزن أعمالهم وزنا في غاية العدالة والإنصاف: فلا يظلم الله أحدا شيئا، وأن عمله من الخير والشر، وإن كان في غاية القلة والدقة كمثقال حبة من خردل، فإن الله يأتي به. لأنه لا يخفى عليه شيء وكفى به جل وعلا حاسبا. لأحاطة علمه بكل شيء.
وبين في غير هذا الموضع: أن الموازين عند ذلك الوزن منها ما يخف، ومنها ما يثقل. وأن من خفت موازينه هلك، ومن ثقلت موازيه نجا. كقوله تعالى: * (والوزن