أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٤ - الصفحة ١٥٦
وقوله في هذه الآية الكريمة: * (ولا هم منا يصحبون) * أي يجارون: أي ليس لتلك الآلهة مجير يجيرهم منا. لأن الله يجير ولا يجار عليه كما صرح بذلك في سورة * (قد أفلح المؤمنون) * في قوله: * (قل من بيده ملكوت كل شىء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون) *. والعرب تقول: أنا جار لك وصاحب من فلان. أي مجير لك منه. ومنه قول الشاعر: قل من بيده ملكوت كل شىء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون) *. والعرب تقول: أنا جار لك وصاحب من فلان. أي مجير لك منه. ومنه قول الشاعر:
* ينادى بأعلى صوته متعوذا * ليصحب منا والرماح دواني * يعني ليجار ويغاث منا. وأغلب أقوال العلماء في الآية راجعة إلى ما ذكرنا. كقول بعضهم * (يصحبون) * يمنعون. وقول بعضهم ينصرون. وقول بعضهم * (ولا هم منا يصحبون) * أي لا يصحبهم الله بخير، ولا يجعل الرحمة صاحبا لهم. والعلم عند الله تعالى. قوله تعالى: * (بل متعنا هاؤلاء وءابآءهم حتى طال عليهم العمر) *. الظاهر أن الإضراب. * (بل) * في هذه الآية الكريمة انتقالي. والإشارة في قوله * (هؤلاء) * راجعة إلى المخاطبين من قبل في قوله: * (قل من يكلؤكم باليل والنهار من الرحمان) *، وهم كفار قريش، ومن اتخذ آلهة من دون الله. والمعنى: أنه متع هؤلاء الكفار وآباءهم قبلهم بما رزقهم من نعيم الدنيا حتى طالت أعمارهم في رخاء ونعمة، فحملهم ذلك على الطغيان واللجاج في الكفر.
وما تضمنته هذه الآية الكريمة: من أنه تعالى يمهل الكفار ويملي لهم في النعمة، وأن ذلك يزيدهم كفرا وضلالا جاء موضحا في مواضع كثيرة من كتاب الله تعالى، كقوله: * (ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملى لهم خير لانفسهم إنما نملى لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين) *، وقوله تعالى: * (سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملى لهم إن كيدى متين) *، وقوله تعالى: * (قالوا سبحانك ما كان ينبغى لنآ أن نتخذ من دونك من أوليآء ولاكن متعتهم وءابآءهم حتى نسوا الذكر وكانوا قوما بورا) *، وقوله تعالى: * (بل متعت هاؤلاء وءابآءهم حتى جآءهم الحق ورسول مبين ولما جآءهم الحق قالوا هاذا سحر وإنا به كافرون) * والآيات بمثل ذلك كثيرة. والعمر يطلق على مدة العيش. قوله تعالى: * (أفلا يرون أنا نأتى الا رض ننقصها من أطرافهآ أفهم الغالبون) *.
(١٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 ... » »»