. قوله تعالى: * (لنريه من ءاياتنآ) *. الظاهر إنما أراه الله من آياته في هذه الآية الكريمة: أنه أراه إياه رؤية عين. فهمزة التعدية داخلة على رآى البصرية. كقولك: أرأيت زيدا دار عمرو. أي جعلته يراها بعينه. و (من) في الآية للتبعيض، والمعنى * (لنريه من ءاياتنآ) *: أي بعض آياتنا فنجعله يراها بعينه. وذلك ما رآه صلى الله عليه وسلم بعينه ليلة الإسراء من الغرائب والعجائب. كما جاء مبينا في الأحاديث الكثيرة.
ويدل لما ذكرنا في الآية الكريمة قوله تعالى في سورة النجم: * (ما زاغ البصر وما طغى لقد رأى من ءايات ربه الكبرى) *. قوله تعالى: * (وءاتينآ موسى الكتاب) *. لما بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة عظم شأن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، ذكر عظم شأن موسى بالكتاب العظيم، الذي أنزله إليه، وهو التوراة. مبينا أنه جعله هدى لبني إسرائيل. وكرر جل وعلا هذا المعنى في القرآن. كقوله: * (ولقد ءاتينا موسى الكتاب فلا تكن فى مرية من لقآئه وجعلناه هدى لبنى إسراءيل وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بأاياتنا يوقنون) *، وقوله: * (ولقد ءاتينا موسى الكتاب من بعد مآ أهلكنا القرون الا ولى بصآئر للناس) *، وقوله: * (ثم ءاتينا موسى الكتاب تماما على الذى أحسن وتفصيلا لكل شىء) *، وقوله: * (وكتبنا له فى الالواح من كل شىء موعظة وتفصيلا لكل شىء) * الآية، إلى غير ذلك من الآيات. قوله تعالى: * (ألا تتخذوا من دونى وكيلا) *. اعلم أن هذا الحرف قرأه جمهور القراء * (إلا * تتخذون) * بالتاء على وجه الخطاب.
وعلى هذا ف (أن) هي المفسرة. فجعل التوراة هدى لبني إسرائيل مفسر بنهيهم عن اتخاذ وكيل من دون الله. لأن الإخلاص لله في عبادته هو ثمرة الكتب المنزلة على الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه. وعلى هذه القراءة ف (لا) في قوله: * (ألا تتخذوا) * ناهية. وقرأه أبو عمرو من السبعة * (ألا تتخذوا من دونى وكيلا) * بالياء على الغيبة. وعلى هذه القراءة فالمصدر المنسبك من (أن) وصلتها مجرور بحرف التعليل المحذوف. أي وجعلناه هدى لبني إسرائيل لأجل ألا يتخذوا من دوني وكيلا. لأن اتخاذ الوكيل الذي تسند إليه الأمور، وتفوض من دون الله ليس من الهدى. فمرجع القراءتين إلى شيء واحد، وهو أن التوكل إنما يكون على الله وحده لا على غيره.