من كونه في الدنيا. وصرف القرآن عن ظاهره ممنوع إلا بدليل يجب الرجوع إليه.
الوجه الثاني أن القرآن دل في آيات كثيرة على شمول التعذيب المنفي في الآية للتعذيب في الآخرة. كقوله: * (كلما ألقى فيها فوج سألهم خزنتهآ ألم يأتكم نذير قالوا بلى) * وهو دليل على أن جميع أفواج أهل النار ما عذبوا في الآخرة إلا بعد إنذار الرسل. كما تقدم إيضاحه بالآيات القرآنية.
وأجابوا عن الوجه الثاني وهو أن محل العذر بالفترة في غير الواضح الذي لا يخفى على أحد بنفس الجوابين المذكورين آنفا. لأن الفرق بين الواضح وغيره مخالف لظاهر القرآن، فلا بد له من دليل يجب الرجوع إليه، ولأن الله نص على أن أهل النار ما عذبوا بها حتى كذبوا الرسل في دار الدنيا، بعد إنذارهم من ذلك الكفر الواضح، كما تقدم إيضاحه.
وأجابوا عن الوجه الثالث الذي جزم به النووي، ومال إليه العبادي وهو قيام الحجة عليهم بإنذار الرسل الذين أرسلوا قبله صلى الله عليه وسلم بأنه قول باطل بلا شك. لكثرة الآيات القرآنية المصرحة ببطلانه، لأن مقتضاه أنهم أنذروا على ألسنة بعض الرسل والقرآن ينفي هذا نفيا باتا في آيات كثيرة. كقوله في (يس): * (لتنذر قوما مآ أنذر ءابآؤهم فهم غافلون) * و (ما) في قوله * (مآ أنذر ءابآؤهم) * نافية على التحقيق، لا موصولة، وتدل لذلك الفاء في قوله * (فهم غافلون) *، وكقوله في (القصص): * (وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ولاكن رحمة من ربك لتنذر قوما مآ أتاهم من نذير من قبلك) *، وكقوله في (سبأ) * (ومآ ءاتيناهم من كتب يدرسونها ومآ أرسلنا إليهم قبلك من نذير) *، وكقوله في (ألم السجدة): * (أم يقولون افتراه بل هو الحق من ربك لتنذر قوما مآ أتاهم من نذير من قبلك) *، إلى غير ذلك من الآيات.
وأجابوا عن الوجه الرابع بأن تلك الأحاديث الواردة في صحيح مسلم وغيره أخبار آحاد يقدم عليها القاطع، وهو قوله: * (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) *، وقوله: * (كلما ألقى فيها فوج سألهم خزنتهآ ألم يأتكم نذير قالوا بلى) *، ونحو ذلك من الآيات.
وأجاب القائلون بالعذر بالفترة أيضا عن الآيات التي استدل بها مخالفوهم كقوله: * (ولا الذين يموتون وهم كفار أولائك أعتدنا لهم عذابا أليما) *، إلى آخر ما تقدم