حي لعموم قوله (ما من نفس منفوسة..) لأن العموم وإن كان مؤكد الاستغراق ليس نصا فيه، بل هو قابل للتخصيص، فكما لم يتناول عيسى عليه السلام فإنه لم يمت ولم يقتل، بل هو حي بنص القرآن ومعناه. ولا يتناول الدجال مع أنه حي بدليل حديث الجساسة: فكذلك لم يتناول الخضر عليه السلام، وليس مشاهدا للناس، ولا ممن يخالطهم حتى يخطر ببالهم حاله مخاطبة بعضهم بعضا، فمثل هذا العموم لا يتناوله. وقيل: إن أصحاب الكهف أحياء، ويحجون مع عيسى عليه السلام كما تقدم. وكذلك فتى موسى في قول ابن عباس كما ذكرنا ا ه منه.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: كلام القرطبي هذا ظاهر السقوط كما لا يخفى على من له إلمام بعلوم الشرع، فإنه اعترف بأن حديث النبي صلى الله عليه وسلم عام في كل نفس منفوسة عموما مؤكدا، لأن زيادة (من) قبل النكرة في سياق النفي تجعلها نصا صريحا في العموم لا ظاهرا فيه كما هو مقرر في الأصول. وقد أوضحناه في سورة (المائدة).
ولو فرضنا صحة ما قاله القرطبي رحمه الله تعالى من أنه ظاهر في العموم لا نص فيه، وقررنا أنه قابل للتخصيص كما هو الحق في كل عام، فإن العلماء مجمعون على وجوب استصحاب عموم العام حتى يرد دليل مخصص صالح للتخصيص سندا ومتنا. فالدعوى المجردة عن دليل من كتاب أو سنة لا يجوز أن يخصص بها نص من كتاب أو سنة إجماعا.
وقوله: (إن عيسى لم يتناوله عموم الحديث) فيه أن لفظ الحديث من أصله لم يتناوله عيسى، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيه: (لم يبق على ظهر الأرض ممن هو بها اليوم أحد). فخصص ذلك بظهر الأرض فلم يتناول اللفظ من في السماء، وعيسى قد رفعه الله من الأرض كما صرح بذلك في قوله تعالى: * (بل رفعه الله إليه وهذا واضح جدا كما ترى.
ودعوى حياة أصحاب الكهف، وفتى موسى ظاهرة السقوط ولو فرضنا حياتهم فإن الحديث يدل على موتهم عند المائة كما تقدم، ولم يثبت شيء يعارضه.
وقوله (إن الخضر ليس مشاهدا الناس، ولا ممن يخالطهم حتى يخطر ببالهم حالة مخاطبة بعضهم بعضا) يقال فيه: إن الاعتراض يتوجه عليه من جهتين:
الأولى أن دعوى كون الخضر محجوبا عن أعين الناس كالجن والملائكة