أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٣ - الصفحة ٣٢٢
فارس مما يلي المشرق، وبحر الروم مما يلي المغرب. وقال محمد بن كعب القرطي: (مجمع البحرين) عند طنجة في أقصى بلاد المغرب وروى ابن أبي حاتم من طريق السدى قال: هما الكر والرأس حيث يصبان في البحر. وقال ابن عطية: (مجمع البحرين) ذراع في أرض فارس من جهة أذربيجان، يخرج من البحر المحيط من شماله إلى جنوبه، وطرفيه مما يلي بر الشام. وقيل: هما بحر الأردن والقلزم. وعن ابن المبارك قال: قال بعضهم بحر أرمينية. وعن أبي بن كعب قال: بإفريقية. إلى غير ذلك من الأقوال. ومعلوم أن تعيين (البحرين) من النوع الذي قدمنا أنه لا دليل عليه من كتاب ولا سنة، وليس في معرفته فائدة، فالبحث عنه تعب لا طائل تحته، وليس عليه دليل يجب الرجوع إليه. وزعم بعض الملاحدة الكفرة المعاصرين: أن موسى لم يسافر إلى مجمع بحرين، بدعوى أنه لم يعرف ذلك في تاريخه زعم في غاية الكذب والبطلان. ويكفي في القطع بذلك أنه مناقض لقوله تعالى: * (فلما بلغا مجمع بينهما) *. مع التصريح بأنه سفر فيه مشقة وتعب، وذلك لا يكون إلا في بعيد السفر، ولذا قال تعالى عن موسى: * (لقد لقينا من سفرنا هاذا نصبا) *. ومعلوم أن ما ناقض القرآن فهو باطل، لأن نقيض الحق باطل بإجماع العقلاء لاستحالة صدق النقيضين معا.
وقوله في هذه الآية الكريمة: * (ومآ أنسانيه إلا الشيطان) * قرأه عامة القراء ما عدا حفصا (أنسانيه) بكسر الهاء. وقرأه حفص عن عاصم (أنسانيه) بضم الهاء. قوله تعالى: * (فوجدا عبدا من عبادنآ ءاتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما) *. هذا العبد المذكور في هذه الآية الكريمة هو الخضر عليه السلام بإجماع العلماء، ودلالة النصوص الصحيحة على ذلك من كلام النبي صلى الله عليه وسلم. وهذه الرحمة والعلم اللدني اللذان ذكر الله امتنانه عليه بهما لم يبين هنا هل هما رحمة النبوة وعلمها، أو رحمة الولاية وعلمها. والعلماء مختلفون في الخضر: هل هو نبي، أو رسول، أو ولي. كما قال الراجز:. وهذه الرحمة والعلم اللدني اللذان ذكر الله امتنانه عليه بهما لم يبين هنا هل هما رحمة النبوة وعلمها، أو رحمة الولاية وعلمها. والعلماء مختلفون في الخضر: هل هو نبي، أو رسول، أو ولي. كما قال الراجز:
* واختلفت في خضر أهل العقول * قيل نبي أو ولي أو رسول * وقيل ملك. ولكنه يفهم من بعض الآيات أن هذه الرحمة المذكورة هنا رحمة نبوة. وأن هذا العلم اللدني علم وحي، مع العلم بأن في الاستدلال بها على ذلك مناقشات معروفة عند العلماء.
اعلم أولا أن الرحمة تكرر إطلاقها على النبوة في القرآن. وكذلك العلم المؤتى
(٣٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 317 318 319 320 321 322 323 324 325 326 327 ... » »»