أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٣ - الصفحة ٣٢٧
عين تسمى عين الحياة. وممن نصر القول بحياته القرطبي في تفسيره، والنووي في شرح مسلم وغيره، وابن الصلاك، والنقاش وغيرهم. قال ابن عطية: وأطنب النقاش له هذا المعنى، يعني حياة الخضر وبقاءه إلى يوم القيامة. وذكر في كتابه أشياء كثيرة عن علي بن أبي طالب، وكلها لا تقوم على ساق انتهى بواسطة نقل القرطبي في تفسيره.
وحكايات الصالحين عن الخضر أكثر من أن تحصر. ودعواهم أنه يحج هو وإلياس كل سنة، ويروون عنهما بعض الأدعية. كل ذلك معروف. ومستند القائلين بذلك ضعيف جدا. لأن غالبه حكايات عن بعض من يظن به الصلاح. ومنامات وأحاديث مرفوعة عن أنس وغيره، وكلها ضعيف لا تقوم به حجة.
ومن أقواه عند القائلين به آثار التعزية حين توفي النبي صلى الله عليه وسلم. وقد ذكر ابن عبد البر في تميهده عن علي رضي الله عنه قال: لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم وسجى بثوب هتف هاتف من ناحية البيت يسمعون صوته ولا يرون شخصه: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. السلام عليكم أهل البيت * (كل نفس ذآئقة الموت) *. إن في الله خلفا من كل هالك، وعوضا من كل تالف، وعزاء من كل مصيبة فبالله فتقوا، وإياه فارجو. فإن المصاب من حرم الثواب. فكانوا يرون أنه الخضر عليه السلام. يعني أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. انتهى بواسطة نقل القرطبي في تفسيره.
قال مقيده عفا الله عنه: والاستدلال على حياة الخضر بآثار التعزية كهذا الأثر الذي ذكرنا آنفا مردود من وجهين:
الأول أنه لم يثبت ذلك بسند صحيح. قال ابن كثير في تفسيره: وحكى النووي وغيره في بقاء الخضر إلى الآن، ثم إلى يوم القيامة قولين، ومال هو وابن الصلاح إلى بقائه. وذكروا في ذلك حكايات عن السلف وغيرهم. وجاء ذكره في بعض الأحاديث، ولا يصح شيء من ذلك. وأشهرها حديث التعزية وإسناده ضعيف ا ه. منه.
الثاني أنه على فرض أن حديث التعزية صحيح لا يلزم من ذلك عقلا ولا شرعا ولا عرفانا أن يكون ذلك المعزي هو الخضر. بل يجوز أن يكون غير الخضر من مؤمني الجن. لأن الجن هم الذين قال الله فيهم: * (إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم) *. ودعوى أن ذلك المعزي هو الخضر تحكم بل دليل. وقولهم: كانوا يرون أنه الخضر ليس حجة يجب الرجوع إليها. لاحتمال أن يخطئوا في ظنهم، ولا يدل ذلك على
(٣٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 322 323 324 325 326 327 328 329 330 331 332 ... » »»