له هنا من أن من أشقاهم الله لا ينفع فيهم التذكير جاء مبينا في مواضع أخر، كقوله: * (إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جآءتهم كل ءاية حتى يروا العذاب الا ليم) *، وقوله تعالى: * (كذلك سلكناه في قلوب المجرمين لا يؤمنون به حتى يروا العذاب الا ليم) *، وقوله تعالى: * (وما تغنى الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون) *، وقوله تعالى: * (وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون) *، وقوله تعالى: * (إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدى من يضل وما لهم من ناصرين) *.
وهذه الآية وأمثالها في القرآن فيها وجهان معروفان عند العلماء.
أحدهما أنها في الذين سبق لهم في علم الله أنهم أشقياء، عياذا بالله تعالى.
والثاني أن المراد أنهم كذلك ما داموا متلبسين بالكفر. فإن هداهم الله إلى الإيمان وأنابوا زال ذلك المانع، والأول أظهر والعلم عند الله تعالى. والفاء في قوله: * (إذآ أتيآ) * لأن الفعل الذي بعد (لن) لا يصلح أن يكون شرطا ل (إن) ونحوها. والجزاء إذا لم يكن صالحا (لأن) يكون شرطا ل (إن) ونحوها لزم اقترانه بالفاء. كما عقده في الخلاصة بقوله: إذآ أتيآ) * لأن الفعل الذي بعد (لن) لا يصلح أن يكون شرطا ل (إن) ونحوها. والجزاء إذا لم يكن صالحا (لأن) يكون شرطا ل (إن) ونحوها لزم اقترانه بالفاء. كما عقده في الخلاصة بقوله:
* واقرن بفاحتما جوابا لو جعل * شرطا لأن أو غيرها لم ينجعل * وقوله في هذه الآية الكريمة (إذا) جزاء وجواب. فدل على انتفاء اهتدائهم لدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم، بمعنى أنهم جعلوا ما جيب أن يكون سببا للاهتداء سببا لانتفائه. لأن المعنى: فلن يهتدوا إذا دعوتهم ذكر هذا المعنى الزمخشري، وتبعه أبو حيان في البحر. وهذا المعنى قد غلطا فيه، وغلط فيه خلق لا يحصى كثرة من البلاغيين وغيرهم.
وإيضاح ذلك أن الزمخشري هنا وأبا حيان ظنا أن قوله: * (عذرا) * شرط وجزاء، وأن الجزاء مرتب على الشرط كترتيب الجزاء على ما هو شرط فيه. ولذا ظنا أن الجزاء الذي هو عدم الاهتداء المعبر عنه في الآية بقوله: * (فلن يهتدوا) * مرتب على الشرط الذي هو دعاؤه إياهم المعبر عنه في الآية بقوله: * (وإن تدعهم إلى الهدى) * المشار إليه أيضا بقوله (إذا) فصار دعاؤه إياهم سبب انتفاء اهتدائهم وهذا غلط. لأن هذه القضية الشرطية في هذه الآية الكريمة ليست شرطية لزومية، حتى يكون بين شرطها وجزائها ارتباط، بل هي شرطية اتفاقية، والشرطية الاتفاقية