أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٣ - الصفحة ١٤٨
يدل على منع إحراق مال اليتيم وإغراقه. لأن الجميع إتلاف له بغير حق.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (من أعتق شركا له في عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة عدل، فأعطى شركاؤه حصصهم وعتق عليه العبد، وإلا فقد عتق منه ما عتق) يدل على أن من أعتق شركا له في أمة فحكمه كذلك. لما عرف من استقراء الشرع أن الذكورة والأنوثة بالنسبة إلى العتق وصفان طرديان لا تأثير لهما في أحكام العتق وإن كانا غير طرديين في غير العتق كالشهادة والميراث وغيرهما.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يقضين حكم بين اثنين وهو غضبان) لا شك في أنه يدل على منع قضاء الحكم في كل حال يحصل بها التشويش المانع من استيفاء النظر. كالجوع والعطش المفرطين، والسرور والحزن المفرطين، والحقن والحقب المفرطين.
ونهيه صلى الله عليه وسلم عن البول في الماء الراكد، لا شك في أنه يدل على النهي عن البول في قارورة مثلا وصب البول من القارورة في الماء الراكد. إذ لا فرق يؤثر في الحكم بين البول فيه مباشرة وصبه فيه من قارورة ونحوها، وأمثال هذا كثيرة جدا، ولا يمكن أن يخالف فيها إلا مكابر. ولا شك أن في ذلك كله استدلالا بمنطوق به على مسكوت عنه. وكذلك نوع الاجتهاد المعروف في اصطلاح أهل الأصول (بتحقيق المناط) لا يمكن أن ينكره إلا مكابر، ومسائلة التي لا يمكن الخلاف فيها من غير مكابر لا يحيط بها الحصر، وسنذكر أمثلة منها. فمن ذلك قوله تعالى: * (يحكم به ذوا عدل منكم) * فكون الصيد المقتول يماثله النوع المعين من النعم اجتهاد في تحقيق مناط هذا الحكم، نص عليه جل وعلا في محكم كتابه. وهو دليل قاطع على بطلان قول من يجعل الاجتهاد في الشرع مستحيلا من أصله. والإنفاق على الزوجات واجب، وتحديد القدر اللازم لا بد فيه من نوع من الاجتهاد في تحقيق مناط ذلك الحكم. وقيم المتلفات واجبة على من أتلف، وتحديد القدر الواجب لا بد فيه من اجتهاد. والزكاة لا تصرف إلا في مصرفها، كالفقير ولا يعلم فقره إلا بأمارات ظنية يجتهد في الدلالة عليها بالقرائن. لأن حقيقة الباطن لا يعلمها إلا الله. ولا يحكم إلا بقول العدل، وعدالته إنما تعلم بأمارات ظنية يجتهد في معرفتها بقرائن الأخذ والإعطاء وطول المعاشرة. وكذلك الاجتهاد من المسافرين في جهة القبلة بالأمارات، إلى غير ذلك مما لا يحصى.
ومن النصوص الدالة على مشروعية الاجتهاد في مسائل الشرع ما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، قال مسلم بن الحجاج رحمه الله في صحيحه: حدثنا يحيى بن
(١٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 143 144 145 146 147 148 149 150 151 152 153 ... » »»