الشتآء والصيف فليعبدوا رب هاذا البيت الذى أطعمهم من جوع وءامنهم من خوف) * فإن رحلة الشتاء كانت إلى اليمن، ورحلة الصيف كانت إلى الشام، وكانت تأتيهم من كلتا الرحلتين أموال وأرزاق. ولذا أتبع الرحلتين بامتنانه عليهم: بأن أطعمهم من جوع. وقوله في دعوة إبراهيم: * (وإذ قال إبراهيم رب اجعل هاذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات) *، وقوله: * (فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم وارزقهم من الثمرات) *.
وقوله: * (فكفرت بأنعم الله) * ذكر نظيره عن أهل مكة في آيات كثيرة. كقوله: * (ألم تر إلى الذين بدلوا نعمت الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار) *.
وقد قدمنا طرفا من ذلك في الكلام على قوله تعالى * (يعرفون نعمت الله ثم ينكرونها) *.
وقوله: * (فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون) * وقع نظيره قطعا لأهل مكة. لما لجوا في الكفر والعناد، ودعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: (اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلها عليهم سنين كسنين يوسف) فأصابتهم سنة أذهبت كل شيء، حتى أكلوا الجيف والعلهز (وهو وبر البعير يخلط بدمه إذا نحروه)، وأصابهم الخوف الشديد بعد الأمن. وذلك الخوف من جيوش رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغزواته وبعوثه وسراياه. وهذا الجوع والخوف أشار لهما القرآن على بعض التفسيرات. فقد فسر ابن مسعود آية (الدخان) بما يدل على ذلك.
قال البخاري في صحيحه: باب * (فارتقب يوم تأتى السمآء بدخان مبين) * فارتقب: فانتظر. حدثنا عبدان، عن أبي حمزة، عن الأعمش، عن مسلم، عن مسروق، عن عبد الله قال: مضى خمس: الدخان، والروم، والقمر، والبطشة، واللزام. * (يغشى الناس هاذا عذاب أليم) * حدثنا يحيى، حدثنا أبو معاوية. عن الأعمش، عن مسلم، عن مسروق قال: قال عبد الله: (إنما كان هذا لأن قريشا لما استعصوا على النبي صلى الله عليه وسلم دعا عليهم بسنين كسني يوسف. فأصابهم قحط وجهد، حتى أكلوا العظام. فجعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد. فأنزل الله تعالى * (فارتقب يوم تأتى السمآء بدخان مبين يغشى الناس هاذا