أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٢ - الصفحة ٤٠٥
وهذه الآية الكريمة تدل على تحريم الخمر أتم دلالة وأوضحها. لأنه تعالى صرح بأنها رجس، وأنها من عمل الشيطان، وأمر باجتنابها أمرا جازما في قوله * (فاجتنبوه) * واجتناب الشيء: هو التباعد عنه، بأن تكون في غير الجانب الذي هو فيه. وعلق رجاء الفلاج على اجتنابها في قوله: * (لعلكم تفلحون) * ويفهم منه أنه من لم يجتنبها لم يفلح، وهو كذلك.
ثم بين بعض مفاسدها بقوله: * (إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضآء فى الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلواة) *. ثم أكد النهي عنها بأن أورده بصيغة الاستفهام في قوله: * (فهل أنتم منتهون) * فهو أبلغ في الزجز من صيغة الأمر التي هي (انتهوا) وقد تقرر في فن المعاني: أن من معاني صيغة الاستفهام التي ترد لها الأمر. كقوله: * (فهل أنتم منتهون) *، وقوله: * (وقل للذين أوتوا الكتاب والا ميين ءأسلمتم) *. أي أسلموا. والجار والمجرور في قوله: * (ومن ثمرات النخيل) * يتعلق ب * (تتخذون) * وكرر لفظ (من) للتأكيد، وأفرد الضمير في قوله (منه) مراعاة للمذكور. أي تتخذون منه، أي مما ذكر من ثمرات النخيل والأعناب. ونظيره قول رؤبة: ومن ثمرات النخيل) * يتعلق ب * (تتخذون) * وكرر لفظ (من) للتأكيد، وأفرد الضمير في قوله (منه) مراعاة للمذكور. أي تتخذون منه، أي مما ذكر من ثمرات النخيل والأعناب. ونظيره قول رؤبة:
* فيها خطوط من سواد وبلق * كأنه في الجلد توليع البهق * فقوله (كأنه) أي ما ذكر من خطوط السواد والبلق. وقيل: الضمير راجع إلى محذوف دل المقام عليه. أي ومن عصير ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه، أي عصير الثمرات المذكورة وقيل: قوله * (ومن ثمرات النخيل) * معطوف على قوله * (مما فى بطونه) * أي نسقيكم مما في بطونه ومن ثمرات النخيل. وقيل: يتعلق ب * (نسقيكم) * محذوفة دلت عليها الأولى. فيكون من عطف الجمل. وعلى الأول يكون من عطف المفردات إذا اشتركا في العامل. وقيل: معطوف على (الأنعام) وهو أضعفها عندي.
وقال الطبري: التقدير: ومن ثمرات النخيل والأعناب ما تتخذون منه سكرا. فحذف (ما).
قال أبو حيان (في البحر): وهو لا يجوز على مذهب البصريين. وقيل: يجوز أن يكون صفة موصوف محذوف، أي ومن ثمرات النخيل والأعناب ثمر تتخذون منه.
(٤٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 400 401 402 403 404 405 406 407 408 409 410 ... » »»