أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٢ - الصفحة ٣٩٤
والحق الذي لا شك فيه: أن المراد بالحسنى: هو زعمهم أنه إن كانت الآخرة حقا فسيكون لهم فيها أحسن نصيب كما كان لهم في الدنيا. ويدل على صحة هذا القول الأخير دليلان:
أحدهما كثرة الآيات القرآنية المبينة لهذا المعنى. كقوله تعالى عن الكافر: * (ولئن رجعت إلى ربى إن لى عنده للحسنى) *، وقوله: * (ولئن رددت إلى ربى لأجدن خيرا منها منقلبا) *، وقوله: * (وقال لأوتين مالا وولدا) *، وقوله: * (وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين) *. وقوله: * (أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم فى الخيرات) *، إلى غير ذلك من الآيات.
والدليل الثاني أن الله أتبع قوله: * (أن لهم الحسنى) * بقوله: * (لا جرم أن لهم النار) *. فدل ذلك دلالة واضحة على ما ذكرنا، والعلم عند الله. والمصدر المنسبك من (أن) وصلتها في قوله * (أن لهم الحسنى) * في محل نصب، بدل من قوله * (الكذب) * ومعنى وصف ألسنتهم الكذب قولها للكذب صريحا لا خفاء به.
وقال الزمخشري في الكشاف في تفسير قوله تعالى: * (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب) * ما نصه: فإن قلت: ما معنى وصف ألسنتهم الكذب؟ قلت: هو من فصيح الكلام وبليغه، جعل قولهم كأنه عين الكذب ومحضه. فإذا نطقت به ألسنتهم فقد حلت الكذب بحليته، وصورته بصورته. كقولهم: وجهها يصف الجمال، وعينها تصف السحر اه. قوله تعالى: * (لا جرم أن لهم النار وأنهم مفرطون) *. في هذا الحرف قراءتان سبعيتان، وقراءة ثالثة غير سبعية. قرأه عامة السبعة ما عدى نافعا * (مفرطون) * بسكون الفاء وفتح الراء بصيغة اسم المفعول. من أفرطه. وقرأ نافع بكسر الراء بصيغة اسم الفاعل. من أفرط. والقراءة التي ليست بسبعية بفتح الفاء وكسر الراء المشددة بصيغة اسم الفاعل من فرط المضعف، وتروى هذه القراءة عن أبي جعفر. وكل هذه القراءات له مصداق في كتاب الله.
أما على قراءة الجمهور * (مفرطون) * بصيغة المفعول فهو اسم مفعول أفرطه: إذا
(٣٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 389 390 391 392 393 394 395 396 397 398 399 ... » »»