على إزالة المني بالكلية دليل على نجاسته، والاكتفاء بالفرك في يابسه يدل على أنه لا يحتاج إلى الماء. ولا غرابة في طهارة متنجس بغير الماء. فإن ما يصيب الخفاف والنعال من النجاسات المجمع على نجاستها يطهر بالدلك حتى تزول عينه. ومن هذا القبيل قول الشوكاني: إنه يطهر مطلقا بالإزالة دون الغسل، لما جاء في بعض الروايات من سلت رطبه بإذخرة ونحوها. ورد من قال: إن المني طاهر احتجاج القائلين بنجاسته، بأن الغسل لا يدل على نجاسة الشيء، فلا ملازمة بين الغسل والتنجيس لجواز غسل الطاهرات كالتراب والطين ونحوه يصيب البدن أو الثوب. قالوا: ولم يثبت نقل بالأمر بغسله، ومطلق الفعل لا بدل على شيء زائد على الجواز.
قال ابن حجر (في التلخيص): وقد ورد الأمر بفركه من طريق صحيحة، رواه ابن الجارود (في المنتقى) عن محسن بن يحيى، عن أبي حذيفة عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، عن همام بن الحارث قال: كان عند عائشة ضيف فأجنب، فجعل يغسل ما أصابه. فقالت عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بحته إلى أن قال: وأما الأمر بغسله فلا أصل له.
وأجابوا عن قول عائشة: (إنما يجزئك أن تغسل مكانه) لحمله على الاستحباب، لأنها احتجت بالفرك. قالوا: فلو وجب الغسل لكان كلامها حجة عليها لا لها، وإنما أرادت الإنكار عليه في غسل كل الثوب فقالت: (غسل كل الثوب بدعة منكرة، وإنما يجزئك في تحصيل الأفضل والأكمل أن تغسل مكانه...) الخ.
وأجابوا عن قياس المني على البول والدم بأن المني أصل الآدمي المكرم فهو بالطين أشبه، بخلاف البول والدم.
وأجابوا عن خروجه من مخرج البول بالمنع، قالوا: بل مخرجهما مختلف، وقد شق ذكر رجل بالروم، فوجد كذلك، فلا ننجسه بالشك. قالوا: ولو ثبت أنه يخرج من مخرج البول لم يلزم منه النجاسة. لأن ملاقاة النجاسة في الباطن لا تؤثر، وإنما تؤثر ملاقاتها في الظاهر.
وأجابوا عن دعوى أن المذي جزء من المني بالمنع أيضا قالوا: بل هو مخالف له في الاسم والخلقة وكيفية الخروج. لأن النفس والذكر يفتران بخروج المني، وأما المذي فعكسه، ولهذا من به سلس المذي لا يخرج منه شيء من المذي. وهذه المسألة فيها للعلماء مناقشات كثيرة، كثير منها لا طائل تحته. وهذا الذي ذكرنا فيها هو خلاصة أقوال