أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٢ - الصفحة ٣٩٨
وابن المنذر، وحكاه العبدري وغيره عن سعد بن أبي وقاص، وابن عمر، وعائشة رضي الله عنهم. كما نقله النووي في (شرح المهذب) وغيره.
القول الثاني أنه نجس، ولا بد في طهارته من الماء سواء كان يابسا أو رطبا. وهذا هو مذهب مالك، والثوري، والأوزاعي.
القول الثالث أنه نجس، ورطبه لا بد له من الماء، ويابسه لا يحتاج إلى الماء بل يطهر بفركه من الثوب حتى يزول منه. وهذا هو مذهب أبي حنيفة. واختار الشوكاني في (نيل الأوطار): أنه نجس، وأن إزالته لا تتوقف على الماء مطلقا.
أما حجة من قال إنه طاهر كالمخلط فهي بالنص والقياس معا، ومعلوم في الأصول: أن القياس الموافق للنص لا مانع منه، لأنه دليل آخر عاضد للنص، ولا مانع من تعاضد الأدلة.
أما النص فهو ما ثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يذهب فيصلي فيه). أخرجه مسلم في صحيحه، وأصحاب السنن الأربعة والإمام أحمد. قالوا: فركها له يابسا، وصلاته في الثوب من غير ذكر غسل دليل على الطهارة. وفي رواية عند أحمد: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلت المني من ثوبه بعرق الإذخر، ثم يصلي فيه، ويحته من ثوبه يابسا ثم يصلي فيه. وفي رواية عن عائشة عند الدارقطني: (كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان يابسا، وأغسله إذا كان رطبا) وعن إسحاق بن يوسف قال: حدثنا شريك، عن محمد بن عبد الرحمن، عن عطاء، عن ابن عباس قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن المني يصيب الثوب فقال: (إنما هو بمنزلة المخاط والبصاق، وإنما يكفيك أن تمسحه بخرقة أو بإذخرة).
قال صاحب (منتقى الأخبار) بعد أن ساق هذا الحديث كما ذكرنا: رواه الدارقطني وقال: لم يرفعه غير إسحاق الأزرق عن شريك. قلت: وهذا لا يضر. لأن إسحاق إمام مخرج عنه في الصحيحين، فيقبل رفعه وزيادته.
قال مقيده عفا الله عنه: ما قاله الإمام المجد رحمه الله (في المنتقى) من قبول رفع العدل وزيادته، هو الصحيح عند أهل الأصول وأهل الحديث كما بيناه مرارا، إلى غير ذلك من الأحاديث في فرك المني وعدم الأمر بغسله.
وأما القياس العاضد للنص فهو من وجهين: أحدهما إلحاق المني بالبيض
(٣٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 393 394 395 396 397 398 399 400 401 402 403 ... » »»