وأسنده في (السجدة) لملك الموت في قوله: * (قل يتوفاكم ملك الموت) *، وأسنده في (الزمر) إلى نفسه جل وعلا في قوله: * (الله يتوفى الا نفس حين موتها ) *. وقد بينا في كتابنا (دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب) في سورة (السجدة): أنه لا معارضة بين الآيات المذكورة. فإسناده التوفي لنفسه، لأنه لا يموت أحد إلا بمشيئته تعالى، كما قال: * (وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا) *، وأسنده لملك الموت، لأنه هو المأمور بقبض الأرواح، وأسنده إلى الملائكة لأن لملك الموت أعوانا من الملائكة ينزعون الروح من الجسد إلى الحلقوم فيأخذها ملك الموت، كما قاله بعض العلماء. والعلم عند الله تعالى. قوله تعالى: * (ولقد بعثنا فى كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت) *. ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه بعث في كل أمة رسولا بعبادة الله وحده، واجتناب عبادة ما سواه. وهذا هو معنى (لا إلاه إلا الله)، لأنها مركبة من نفي وإثبات، فنفيها هو خلع جميع المعبودات غير الله تعالى في جميع أنواع العبادات، وإثباتها هو إفراده جل وعلا بجميع أنواع العبادات بإخلاص، على الوجه الذي شرعه على ألسنة رسله عليهم صلوات الله وسلامه.
وأوضح هذا المعنى كثيرا في القرآن عن طريق العموم والخصوص. فمن النصوص الدالة عليه مع عمومها قوله تعالى: * (ومآ أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحى إليه أنه لا إلاه إلا أنا فاعبدون) *، وقوله: * (واسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنآ أجعلنا من دون الرحمان ءالهة يعبدون) *، ونحو ذلك من الآيات.
ومن النصوص الدالة عليه مع الخصوص في أفراد الأنبياء وأممهم قوله تعالى: * (لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إلاه غيره) *، وقوله تعالى: * (وإلى عاد أخاهم هودا قال ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إلاه غيره) *، وقوله تعالى: * (وإلى ثمود أخاهم صالحا قال ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إلاه غيره) *، وقوله: * (وإلى مدين أخاهم شعيبا قال ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إلاه غيره) *، إلى غير ذلك من الآيات.
واعلم أن كل ما عبد من دون الله، فهو طاغوت. ولا تنفع عبادة الله إلا بشرط اجتناب عبادة ما سواه. كما بينه تعالى بقوله: * (فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد