فدل هذا التفصيل الذي هو النهي عن الشرب في آنية الذهب والفضة، والنهي عن لبس الحرير والديباج على أن ذلك هو المراد بما في الرواية الأولى. وإذن فلا حجة في الحديث على منع لبس الفضة. لأنه تعين بهاتين الروايتين أن المراد الشرب في آنيتها لا لبسها، لأن الحديث حديث واحد.
فالجواب من ثلاثة أوجه:
الأول أن الرواية المتقدمة عامة بظاهرها في الشرب واللبس معا، والروايات المقتصرة على الشرب في آنيتها دون اللبس ذاكرة بعض أفراد العام، ساكتة عن بعضها. وقد تقرر في الأصول: (أن ذكر بعض أفراد العام بحكم العام لا يخصصه) وهو الحق كما بيناه في غير هذا الموضع. وإليه أشار في مراقي السعود بقوله عاطفا على ما لا يخصص به العموم على الصحيح: الأول أن الرواية المتقدمة عامة بظاهرها في الشرب واللبس معا، والروايات المقتصرة على الشرب في آنيتها دون اللبس ذاكرة بعض أفراد العام، ساكتة عن بعضها. وقد تقرر في الأصول: (أن ذكر بعض أفراد العام بحكم العام لا يخصصه) وهو الحق كما بيناه في غير هذا الموضع. وإليه أشار في مراقي السعود بقوله عاطفا على ما لا يخصص به العموم على الصحيح:
* وذكر ما وافقه من مفرد * ومذهب الراوي على المعتمد * الوجه الثاني أن التفصيل المذكور لو كان هو مراد النبي صلى الله عليه وسلم لكان الذهب لا يحرم لبسه، وإنما يحرم الشرب في آنيته فقط، كما زعم مدعي ذلك التفصيل في الفضة. لأن الروايات التي فيها التفصيل المذكور (لا تشربوا في آنية الذهب والفضة) فظاهرها عدم الفرق بين الذهب والفضة. ولبس الذهب حرام إجماعا على الرجال.
الوجه الثالث وهو أقواها، ولا ينبغي لمن فهمه حق الفهم أن يعدل عنه لظهور وجهه، هو: أن هذه الأربعة المذكورة في هذا الحديث، التي هي: الذهب، والفضة، والحرير، والديباج صرح النبي صلى الله عليه وسلم أنها للكفار في الدنيا، وللمسلمين في الآخرة. فدل ذلك على أن من استمتع بها من الدنيا لم يستمع بها في الآخرة، وقد صرح جل وعلا في كتابه العزيز بأن أهل الجنة يتمتعون بالذهب والفضة من جهتين:
إحداهما الشراب في آنيتهما.
والثانية التحلي بهما. وبين أن أهل الجنة يتنعمون بالحرير والديباج من جهة واحدة وهي لبسها، وحكم الاتكاء عليهما داخل في حكم لبسهما. فتعين تحريم الذهب والفضة من الجهتين المذكورتين. وتحريم الحرير والديباج من الجهة الواحدة. لقوله صلى الله عليه وسلم الثابت في الروايات الصيحة في الأربعة المذكورة: (هي لهم في الدنيا، ولكم في