في هذه الآية الكريمة: أن من عمل عملا يريد به الحياة الدنيا أعطاه جزاء عمله في الدنيا، وليس له في الآخرة إلا النار.
ونظير هذه الآية قوله تعالى في سورة الشورى: * (ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له فى الا خرة من نصيب) * ولكنه تعالى يبين في سورة بني إسرائيل تعليق ذلك على مشيئته جل وعلا بقوله: * (من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشآء لمن نريد) * وقد أوضحنا هذه المسألة غاية الإيضاح في كتابنا (دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب) في الكلام على هذه الآية الكريمة، ولذلك اختصرناها هنا. قوله تعالى: * (ومن يكفر به من الا حزاب فالنار موعده) *. صرح تعالى في هذه الآية الكريمة: أن هذا القرآن لا يكفر به أحد كائنا من كان إلا دخل النار. وهو صريح في عموم رسالة نبينا صلى الله عليه وسلم إلى جميع الخلق. والآيات الدالة على ذلك كثيرة، كقوله تعالى * (وأوحى إلى هاذا القرءان لا نذركم به ومن بلغ) *، وقوله: * (تبارك الذى نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا) *، وقوله: * (ومآ أرسلناك إلا كآفة للناس) *. وقوله: * (قل ياأيها الناس إنى رسول الله إليكم جميعا) *. قوله تعالى: * (فلا تك فى مرية منه إنه الحق من ربك ) *. نهى الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة عن الشك في هذا القرآن العظيم، وصرح أنه الحق من الله. والآيات الموضحة لهذا المعنى كثيرة جدا كقوله * (ألم ذالك الكتاب لا ريب فيه) * وقوله: * (ألم تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين) * ونحو ذلك من الآيات. والمرية: الشك. قوله تعالى: * (ولاكن أكثر الناس لا يؤمنون) *. صرح تعالى في هذه الآية الكريمة بأن أكثر الناس لا يؤمنون، وبين ذلك أيضا في مواضع كثيرة، كقوله * (ومآ أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين) * وقوله * (وإن تطع أكثر من فى الا رض يضلوك) *، وقوله: * (ولقد ضل قبلهم أكثر الا ولين) *، وقوله: * (إن في ذلك لأية وما كان أكثرهم مؤمنين) * إلى غير ذلك من الآيات. * (أولائك لم يكونوا معجزين فى الا رض وما كان لهم من دون الله من أوليآء يضاعف لهم العذاب ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون * أولائك الذين خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون * لا جرم أنهم فى الا خرة هم الا خسرون * إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا إلى ربهم أولائك أصحاب الجنة هم فيها خالدون * مثل الفريقين كالا عمى والا صم والبصير والسميع هل يستويان مثلا أفلا تذكرون * ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه إنى لكم نذير مبين * أن لا تعبدوا إلا الله إنى أخاف عليكم عذاب يوم أليم * فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادى الرأى وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين) * قوله تعالى: * (يضاعف لهم العذاب) *. بين تعالى في هذه الآية الكريمة: أن الكفار الذين يصدون الناس عن سبيل الله ويبغونها عوجا، يضاعف لهم العذاب يوم القيامة، لأنهم يعذبون على ضلالهم، ويعذبون أيضا على إضلالهم غيرهم، كما أوضحه تعالى بقوله: * (الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون) *.
وبين في موضع آخر. أن العذاب يضاعف للأتباع والمتبوعين، وهو قوله في الأعراف * (حتى إذا اداركوا فيها جميعا قالت أخراهم لا ولاهم ربنا هاؤلاء أضلونا فأاتهم عذابا ضعفا من النار قال لكل ضعف) *. قوله تعالى: * (ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون) *. في هذه الآية الكريمة للعلماء أوجه، بعضها يشهد له القرآن:
الأول وهو اختيار ابن جرير الطبري في تفسيره، ونقله عن ابن عباس وقتادة: أن معنى * (ما كانوا يستطيعون السمع) * أنهم لا يستطيعون أن يسمعوا الحق سماع منتفع، ولا أن يبصروه إبصار مهتد، لاشتغالهم بالكفر الذي كانوا عليه مقيمين عن استعمال جوارحهم في طاعة الله تعالى، وقد كانت لهم أسماع وأبصار.
ويدل لهذا قوله تعالى: * (وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة فمآ أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شىء إذ كانوا يجحدون بأايات الله) *.
الثاني وهو أظهرها عندي: أن عدم الاستطاعة المذكور في الآية إنما هو للختم الذي ختم الله على قلوبهم وأسماعهم، والغشاوة التي جعل على أبصارهم.
ويشهد لهذا القول قوله تعالى: * (ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة) *، وقوله: * (إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفىءاذانهم وقرا) * ونحو ذلك من الآيات.
وذلك الختم والأكنة على القلوب جزاء من الله تعالى لهم على مبادرتهم إلى الكفر