سفاكا للدماء شديد البطش والنكال على من انتهك حرمته ظلما، وسيافه قائم على رأسه، والنطع مبسوط للقتل، والسيف يقطر دما، وحول هذا الملك الذي هذه صفته جواريه وأزواجه وبناته، فهل ترى أن أحدا من الحاضرين يهتم بريبة أو بحرام يناله من بنات ذلك الملك وأزواجه، وهو ينظر إليه، عالم بأنه مطلع عليه؟ ا لا، وكلاا بل جميع الحاضرين يكونون خائفين، وجلة قلوبهم، خاشعة عيونهم، ساكنة جوارحهم خوفا من بطش ذلك الملك.
ولا شك (ولله المثل الأعلى) أن رب السماوات والأرض جل وعلا أشد علما، وأعظم مراقبة، وأشد بطشا، وأعظم نكالا وعقوبة من ذلك الملك، وحماه في أرضه محارمه. فإذا لاحظ الإنسان الضعيف أن ربه جل وعلا ليس بغائب عنه، وأنه مطلع على كل ما يقول وما يفعل وما ينوي لان قلبه، وخشي الله تعالى، وأحسن عمله لله جل وعلا.
ومن أسرار هذه الموعظة الكبرى أن الله تبارك وتعالى صرح بأن الحكمة التي خلق الخلق من أجلها هي أن يبتليهم أيهم أحسن عملا، ولم يقل: أيهم أكثر عملا، فالابتلاء في إحسان العمل، كما قال تعالى في هذه السورة الكريمة: * (وهو الذى خلق السماوات والا رض فى ستة أيام وكان عرشه على المآء ليبلوكم أيكم أحسن عملا) *.
وقال في الملك: * (الذى خلق الموت والحيواة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور) *.
ولا شك أن العاقل إذا علم أن الحكمة التي خلق من أجلها هي أن يبتلى أي يختبر: بإحسان العمل فإنه يهتم كل الاهتمام بالطريق الموصلة لنجاحه في هذا الاختبار، ولهذه الحكمة الكبرى سأل جبريل النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا ليعلمه لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (أخبرني عن الإحسان)، أي وهو الذي خلق الخلق لأجل الاختبار فيه، فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن الطريق إلى ذلك هي هذا الواعظ، والزاجر الأكبر الذي هو مراقبة الله تعالى، والعلم بأنه لا يخفى عليه شيء مما يفعل خلقه، فقال له: (الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك).
واختلف العلماء في المراد بقوله في هذه الآية الكريمة * (ألا إنهم يثنون صدورهم) * وقوله * (يستغشون ثيابهم) * وفي مرجع الضمير في قوله: * (منه) *.