اختلف العلماء في ذلك: فذهب مالك إلى أنه يقدم مال الغير إن لم يخف أن يجعل سارقا ويحكم عليه بالقطع. ففي موطئه ما نصه: وسئل مالك عن الرجل يضطر إلى الميتة أيأكل منها وهو يجد ثمرا لقوم أو زرعا أو غنما بمكانه ذلك؟.
قال مالك: إن ظن أن أهل ذلك الثمر أو الزرع أو الغنم يصدقونه بضرورته حتى لا يعد سارقا فتقطع يده رأيت أن يأكل من أي ذلك وجد ما يرد جوعه ولا يحمل منه شيئا وذلك أحب إلي من أن يأكل الميتة.
وإن هو خشي ألا يصدقوه وأن يعد سارقا بما أصاب من ذلك؛ فإن أكل الميتة خير له عندي وله في أكل الميتة على هذا الوجه سعة مع أني أخاف أن يعدو عاد ممن لم يضطر إلى الميتة يريد استجازة أموال الناس وزروعهم وثمارهم بذلك بدون اضطرار.
قال مالك: وهذا أحسن ما سمعت. اه.
وقال ابن حبيب: إن حضر صاحب المال فحق عليه أن يأذن له في الأكل؛ فإن منعه فجائز للذي خاف الموت أن يقاتله حتى يصل إلى أكل ما يرد نفسه.
الباجي: يريد أنه يدعوه أولا إلى أن يبيعه بثمن في ذمته فإن أبى استطعمه فإن أبى أعلمه أنه يقاتله عليه.
وقال خليل بن إسحاق المالكي في مختصره الذي قال فيه مبينا لما به الفتوى عاطفا على ما يقدم المضطر على الميتة وطعام غير إن لم يخف القطع وقاتل عليه. هذا هو حاصل المذهب المالكي في هذه المسألة.
ومذهب الشافعي فيها: هو ما ذكره النووي في شرح المهذب بقوله: المسألة الثامنة: إذا وجد المضطر ميتة وطعام الغير وهو غائب فثلاثة أوجه. وقيل ثلاثة أقوال: أصحها يجب أكل الميتة والثاني يجب أكل الطعام والثالث يتخير بينهما.
وأشار إمام الحرمين إلى أن هذا الخلاف مأخوذ من الخلاف في اجتماع حق الله تعالى وحق الآدمي ولو كان صاحب الطعام حاضرا فإن بذله بلا عوض أو بثمن مثله أو بزيادة يتغابن الناس بمثلها ومعه ثمنه أو رضي بذمته لزمه القبول ولم يجز أكل الميتة فإن لم يبعه إلا بزيادة كثيرة فالمذهب والذي قطع به العراقيون والطبريون وغيرهم: أنه لا يلزمه شراؤه ولكن يستحب وإذا لم يلزمه الشراء فهو كما إذا لم يبذله أصلا وإذا لم