قال ابن قدامة في المغني: وفي الشبع روايتان.
أظهرهما: لا يباح وهو قول أبي حنيفة وإحدى الروايتين عن مالك وأحد القولين للشافعي.
قال الحسن: يأكل قدر ما يقيمه؛ لأن الآية دلت على تحريم الميتة واستثني ما اضطر إليه فإذا اندفعت الضرورة فلم يحل له الأكل كحالة الابتداء. ولأنه بعد سد الرمفق غير مضطر فلم يحل له الأكل للآية. يحققه: أنه بعد سد رمقه كهو قبل أن يضطر وثم لم يبح له الأكل كذا هاهنا.
والثانية: يباح له الشبع. اختارها أبو بكر؛ لما روى جابر بن سمرة أن رجلا نزل الحرة فنفقت عنده ناقة فقالت له امرأته: أسلخها حتى نقدد شحمها ولحمها ونأكله. فقال حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله فقال: هل عندك غنى يغنيك؟ قال: لا. قال: فكلوها ولم يفرق رواه أبو داود.
ويدل له أيضا حديث الفجيع العامري عنده: أن النبي أذن له في الميتة مع أنه يغتبق ويصطبح فدل على أخذ النفس حاجتها من القوت منها؛ ولأن ما جاز سد الرمق منه جاز الشبع منه كالمباح ويحتمل أن يفرق بين ما إذا كانت الضرورة مستمرة وبين ما إذا كانت مرجوة الزوال فما كانت مستمرة كحالة الأعرابي الذي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم جاز الشبع؛ لأنه إذا اقتصر على سد الرمق عادت الضرورة إليه عن قرب ولا يتمكن من البعد عن الميتة مخافة الضرورة المستقبلة ويفضي إلى ضعف بدنه وربما أدى ذلك إلى تلفه بخلاف التي ليست مستمرة فإنه يرجو الغنى عنها بما يحل والله أعلم. انتهى من المعنى بلفظه.
وقال إمام الحرمين: وليس معنى الشبع أن يمتلئ حتى لا يجد مساغا ولكن إذا انكسرت سورة الجوع بحيث لا ينطلق عليه اسم جائع أمسك. اه. قاله النووي.
المسألة الثانية: حد الاضطرار المبيح لأكل الميتة وهو الخوف من الهلاك علما أو ظنا.
قال الزرقاني في شرح قول مالك في الموطأ فيمن يضطر إلى أكل الميتة اه. وحد الاضطرار أن يخاف على نفسه الهلاك علما أو ظنا ولا يشترط أن يصير إلى حال يشرف معها على الموت فإن الأكل عند ذلك لا يفيد