أضواء البيان - الشنقيطي - ج ١ - الصفحة ٥٤
وبالآية والحديث المتقدمين. وقد يظهر للناظر أن صناعة علم الحديث والأصول لا تقتضي الحكم برد حديث جابر المذكور؛ لأن رفعه جاء من طرق متعددة وبعضها صحيح فرواية أبي داود له مرفوعا التي قدمنا ضعفوها بأن في إسنادها يحيى بن سليم الطائفي وأنه سيىء الحفظ.
وقد رواه غيره مرفوعا مع أن يحيى بن سليم المذكور من رجال البخاري ومسلم في صحيحيهما ورواية أبي أحمد الزبيري له عن الثوري مرفوعا عند البيهقي والدارقطني ضعفوها بأنه واهم فيها. قالوا: خالفه فيها وكيع وغيره فرووه عن الثوري موقوفا.
ومعلوم أن أبا أحمد الزبيري المذكور وهو محمد بن عبد الله بن الزبير بن عمرو بن درم الأسدي ثقة ثبت. وإن قال ابن حجر في التقريب: إنه قد يخطئ في حديث الثوري فهاتان الروايتان برفعه تعضدان برواية بقية بن الوليد له مرفوعا عند البيهقي وغيره وبقية المذكور من رجال مسلم في صحيحه وإن تكلم فيه كثير من العلماء. ويعتضد ذلك أيضا برواية عبد العزيز بن عبيد الله له عن وهب بن كيسان عن أبي الزبير عن جابر مرفوعا.
ورواية يحيى بن أبي أنيسة له عن أبي الزبير عن جابر مرفوعا وإن كان عبد العزيز بن عبيد الله ويحيى بن أبي أنيسة المذكوران ضعيفين؛ لاعتضاد روايتهما برواية الثقة ويعتضد ذلك أيضا برواية ابن أبي ذئب له عن أبي الزبير عن جابر مرفوعا عند الترمذي وغيره. فالظاهر أنه لا ينبغي أن يحكم على حديث جابر المذكور بأنه غير ثابت؛ لما رأيت من طرق الرفع التي روي بها. وبعضها صحيح كرواية أبي أحمد المذكورة والرفع زيادة وزيادة العدل مقبولة.
قال في مراقي السعود: الرجز:
* والرفع والوصل وزيد اللفظ * مقبولة عند أمام الحفظ * إلخ... 000 نعم لقائل أن يقول: هو معارض بما هو أقوى منه؛ لأن عموم قوله تعالى: * (أحل لكم صيد البحر وطعامه) * وقوله صلى الله عليه وسلم في البحر: هو الطهور ماؤه الحل ميتته أقوى من حديث جابر هذا؛ ويؤيد ذلك اعتضاده بالقياس؛ لأنه لا فرق في القياس بين الطافي وغيره وقد يجاب عن هذا بأنه لا يتعارض عام وخاص
(٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 ... » »»