ونقل النووي في شرح المهذب عن القاضي أبي الطيب أن ابن المنذر قال: لم يقل هذا أحد غير أبي حنيفة رحمه الله وحجته حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنما بقاؤكم فيما سلف من الأمم قبلكم كما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس أوتي أهل التوراة التوراة فعملوا حتى إذا انتصف النهار عجزوا فأعطوا قيراطا قيراطا ثم أوتي أهل الإنجيل الإنجيل فعملوا إلى صلاة العصر فعجزوا فأعطوا قيراطا قيراطا ثم أوتينا القرءان فعملنا إلى غروب الشمس فأعطينا قيراطين قيراطين. فقال أهل الكتاب: أي ربنا أعطيت هؤلاء قيراطين قيراطين وأعطيتنا قيراطا قيراطا ونحن أكثر عملا؟ قال الله تعالى: (هل ظلمتكم من أجركم من شيء قالوا لا قال فهو فضلي أوتيه من أشاء) متفق عليه. قال: فهذا دليل على أن وقت العصر أقصر من وقت الظهر ومن حين يصير ظل الشئ مثله إلى غروب الشمس هو ربع النهار وليس بأقل من وقت الظهر بل هو مثله.
وأجيب عن هذا الاستدلال بأن المقصود من هذا الحديث ضرب المثل لا بيان تحديد أوقات الصلاة والمقصود من الأحاديث الدالة على انتهاء وقت الظهر عندما يصير ظل الشئ مثله هو تحديد أوقات الصلاة وقد تقرر في الأصول أن أخذ الأحكام من مظانها أولى من أخذها لا من مظانها مع أن الحديث ليس فيه تصريح بأن أحد الزمنين أكثر من الآخر وإنما فيه أن عملهم أكثر وكثرة العمل لا تستلزم كثرة الزمن لجواز أن يعمل بعض الناس عملا كثيرا في زمن قليل ويدل لهذا أن هذه الأمة وضعت عنها الآصار والأغلال التي كانت عليهم.
قال ابن عبد البر: خالف أبو حنيفة في قوله هذا الآثار والناس وخالفه أصحابه فإذا تحققت أن الحق كون أول وقت العصر عندما يكون ظل كل شئ مثله من غير اعتبار ظل الزوال.
فاعلم أن آخر وقت العصر جاء في بعض الأحاديث تحديده بأن يصير ظل كل شئ مثليه وجاء في بعضها تحديده بما قبل اصفرار الشمس وجاء في بعضها امتداده إلى غروب الشمس ففي حديث جابر وابن عباس المتقدمين في إمامة جبريل في بيانه لآخر وقت العصر في اليوم الثاني ثم صلى العصر حين كان ظل كل شئ مثليه وفي حديث عبد الله بن عمر وعند مسلم وأحمد ووقت صلاة العصر ما لم تصفر الشمس وفي حديث أبي موسى عند أحمد ومسلم وأبي داود والنسائي ثم أخر العصر فانصرف