أضواء البيان - الشنقيطي - ج ١ - الصفحة ٢٨٨
وقال الشوكاني في نيل الأوطار: رواه الطبراني عن ابن مسعود في الكبير والأوسط كما ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد بلفظ: جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء فقيل له في ذلك فقال: صنعت ذلك لئلا تحرج أمتي مع أن ابن مسعود روى عنه مالك في الموطأ والبخاري وأبو داود والنسائي أنه قال: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة لغير ميقاتها إلا صلاتين جمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة وصلى الفجر يومئذ قبل ميقاتها فنفي ابن مسعود للجمع المذكور يدل على أن الجمع المروي عنه الجمع الصوري؛ لأن كلا من الصلاتين في وقتها وإلا لكان قوله متناقضا والجمع واجب متى ما أمكن.
وأما ابن عمر فقد روى عنه الجمع المذكور بالمدينة عبد الرزاق كما قاله الشوكاني أيضا مع أنه روى عنه ابن جرير أنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يؤخر الظهر ويعجل العصر فيجمع بينهما ويؤخر المغرب ويعجل العشاء فيجمع بينهما قاله الشوكاني أيضا وهذا هو الجمع الصوري فهذه الروايات معينة للمراد بلفظ جمع.
واعلم أن لفظة جمع فعل في سياق الإثبات وقد قرر أئمة الأصول أن الفعل المثبت لا يكون عاما في أقسامه.
قال ابن الحاجب في مختصره الأصولي في مبحث العام ما نصه: الفعل المثبت لا يكون عاما في أقسامه مثل صلى داخل الكعبة فلا يعم الفرض والنفل إلى أن قال: وكان يجمع بين الصلاتين لا يعم وقتيهما وأما تكرر الفعل فمستفاد من قول الراوي: كان يجمع كقولهم كان حاتم يكرم الضيف... الخ.
قال شارحه العضد ما نصه: وإذا قال كان يجمع بين الصلاتين الظهر والعصر والمغرب والعشاء فلا يعم جمعهما بالتقديم في وقت الأولى والتأخير في وقت الثانية وعمومه في الزمان لا يدل عليه أيضا وربما توهم ذلك من قوله كان يفعل فإنه يفهم منه التكرار كما إذا قيل: كان حاتم يكرم الضيف وهو ليس مما ذكرناه في شئ؛ لأنه لا يفهم من الفعل وهو يجمع. بل من قول الراوي وهو كان حتى لو قال: جمع لزال التوهم انتهى محل الغرض منه بلفظه بحذف يسير لما لا حاجة إليه في المراد عندنا فقوله: حتى لو قال: جمع زال التوهم يدل على أن قول ابن عباس في الحديث المذكور جمع لا يتوهم فيه العموم وإذن فلا تتعين صورة من صور الجمع إلا بدليل
(٢٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 283 284 285 286 287 288 289 290 291 292 293 ... » »»