أضواء البيان - الشنقيطي - ج ١ - الصفحة ٢٧٢
مدة ثلاثة أيام فإن مكثها مسافرا فذلك وإن أتم سفره قبلها صار غير مسافر ولا إشكال في ذلك وذهب جماعة من أهل العلم: إلى أن القصر يجوز في مسيرة يوم تام وممن قال به الأوزاعي وابن المنذر واحتجوا بما تقدم في بعض الروايات الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم أطلق اسم السفر على مسافة يوم والسفر هو مناط القصر وبما رواه مالك في الموطأ عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر كان يقصر الصلاة في مسيرة اليوم التام وظاهر صنيع البخاري أنه يختار أنها يوم وليلة؛ لأنه قال: باب في كم يقصر الصلاة وسمى النبي صلى الله عليه وسلم يوما وليلة سفرا؛ لأن قوله: وسمى النبي الخ... بعد قوله: في كم يقصر الصلاة يدل على أن ذلك هو مناط القصر عنده كما هو ظاهر.
وذهب بعض العلماء إلى جواز القصر في قصير السفر وطويله وممن قال بهذا داود الظاهري قال عنه بعض أهل العلم: حتى إنه لو خرج إلى بستان خارج البلد قصر واحتج أهل هذا القول بإطلاق الكتاب والسنة جواز القصر بلا تقييد للمسافة وبما رواه مسلم في صحيحه عن يحيى بن يزيد الهنائي قال: سألت أنس بن مالك عن قصر الصلاة فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ _ شعبة الشاك _ صلى ركعتين هذا لفظ مسلم وبما رواه مسلم أيضا في الصحيح عن جبير بن نفير قال: خرجت مع شرحبيل بن السمط إلى قرية على رأس سبعة عشر أو ثمانية عشر ميلا فصلى ركعتين فقلت له. فقال: رأيت عمر صلى بذي الحليفة ركعتين فقلت له فقال: إنما أفعل كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل وأجيب من جهة الجمهور بأنه لا دليل في حديثي مسلم المذكورين؛ لأنه ليس المراد بهما أن تلك المسافة المذكورة فيهما هي غاية السفر بل معناه أنه كان إذا سافر سفرا طويلا فتباعد ثلاثة أميال قصر؛ لأن الظاهر أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يسافر عند دخول وقت الصلاة إلا بعد أن يصليها فلا تدركه الصلاة الأخرى إلا وقد تباعد من المدينة وكذلك حديث شرحبيل المذكور. فقوله إن عمر رضي الله عنه صلى بذي الحليفة ركعتين محمول على ما ذكرناه في حديث أنس وهو أنه كان مسافرا إلى مكة أو غيرها فمر بذي الحليفة وأدركته الصلاة فصلى ركعتين لا أن ذا الحليفة غاية سفره قاله النووي وغيره وله وجه من النظر ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم القصر صريحا فيما دون مرحلتين كما جزم به النووي.
قال مقيده عفا الله عنه قال ابن حجر في تلخيص الحبير: وروى سعيد بن
(٢٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 267 268 269 270 271 272 273 274 275 276 277 ... » »»