آمنا وزعم أن موضع يقولون نصب على الحال وعامة أهل اللغة ينكرونه ويستبعدونه؛ لأن العرب لا تضمر الفعل والمفعول معا ولا تذكر حالا إلا مع ظهور الفعل فإذا لم يظهر فعل فلا يكون حال ولو جاز ذلك لجاز أن يقال عبد الله راكبا يعني: أقبل عبد الله راكبا وإنما يجوز ذلك مع ذكر الفعل كقوله عبد الله يتكلم يصلح بين الناس فكان يصلح حالا له كقول الشاعر أنشدنيه أبو عمر قال: أنشدنا أبو العباس ثعلب: الرجز أي يقصر فيها قطما لكالكا * يقصر يمشي ويطول باركا * أي يقصر ماشيا وهذا الإشكال أيضا ساقط؛ لأن الفعل العامل في الحال المذكورة غير مضمر؛ لأنه مذكور في قوله يعلم ولكن الحال من المعطوف دون المعطوف عليه كما بينه العلامة الشوكاني في تفسيره وهو واضح.
الجهة الثالثة من جهات الإشكال المذكورة هي: أن المعروف في اللغة العربية أن الحال قيد لعاملها ووصف لصاحبها فيشكل تقييد هذا العامل الذي هو يعلم بهذه الحال التي هي * (يقولون آمنا) *؛ إذ لا وجه لتقييد علم الراسخين بتأويله بقولهم آمنا * (به) *؛ لأن مفهومه أنهم في حال عدم قولهم آمنا * (به) * لا يعلمون تأويله وهو الباطل وهذا الإشكال قوي وفيه الدلالة على منع الحالية في جملة يقولون على القول بالعطف. التنبيه الثاني: إذا كانت جملة يقولون: لا يصح أن تكون حالا لما ذكرنا فما وجه إعرابها على القول بأن الواو عاطفة. الجواب: والله تعالى أعلم أنها معطوفة بحرف محذوف والعطف بالحرف المحذوف أجازه ابن مالك وجماعة من علماء العربية. والتحقيق جوازه وأنه ليس مختصا بضرورة الشعر كما زعمه بعض علماء العربية والدليل على جوازه وقوعه في القرءان وفي كلام العرب. فمن أمثلته في القرءان قوله تعالى: * (وجوه يومئذ ناعمة) * فإنه معطوف بلا شك على قوله تعالى: * (وجوه يومئذ خاشعة) * بالحرف المحذوف الذي هو الواو ويدل له إثبات الواو في نظيره في قوله تعالى في سورة القيامة: * (وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة * ووجوه يومئذ باسرة) * الآية قوله تعالى في عبس: * (وجوه يومئذ مسفرة * ضاحكة مستبشرة * ووجوه يومئذ عليها غبرة) *.
وجعل بعض العلماء منه قوله تعالى: * (ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت) *