بعد لثلاث وقد قدمنا أن جميع روايات حديث طاوس عن ابن عباس المذكور عند مسلم ليس في شئ منها التصريح بأن الطلقات الثلاث بلفظ واحد وقد قدمنا أيضا أن بعض رواياته موافقة للفظ حديث عائشة الثابت في الصحيح. وأنه لا وجه للفرق بينهما فإن حمل على أن الثلاث مجموعة فحديث عائشة أصح وفيه التصريح بأن تلك المطلقة لا تحل إلا بعد زوج. وإن حمل على أنها بألفاظ متفرقة فلا دليل إذن في حديث طاوس عن ابن عباس على محل النزاع فإن قيل: أنتم تارة تقولون: إن حديث ابن عباس منسوخ وتارة تقولون: ليس معناه أنها بلفظ واحد بل بألفاظ متفرقة فالجواب أن معنى كلامنا: أن الطلقات في حديث طاوس لا يتعين كونها بلفظ واحد ولو فرضنا أنها بلفظ واحد فجعلها واحدة منسوخ هذا هو ما ظهر لنا في هذه المسألة. والله تعالى أعلم ونسبة العلم إليه أسلم.
* (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) * لم يبين في هذه الآية ولا في غيرها من آيات الطلاق حكمة كون الطلاق بيد الرجل دون إذن المرأة ولكنه بين في موضع آخر أن حكمة ذلك أن المرأة حقل تزرع فيه النطفة كما يزرع البذر في الأرض ومن رأى أن حقله غير صالح للزراعة فالحكمة تقتضي أن لا يرغم على الازدراع فيه وأن يترك وشأنه؛ ليختار حقلا صالحا لزراعته وذلك في قوله تعالى: * (نساؤكم حرث لكم) * كما تقدم إيضاحه.
* (ولا يحل لكم أن تأخذوا ممآ ءاتيتموهن شيئا إلا أن يخافآ ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون) *. صرح في هذه الآية الكريمة بأن الزوج لا يحل له الرجوع في شئ مما أعطى زوجته إلا على سبيل الخلع إذا خافا إلا يقيما حدود الله فيما بينهما فلا جناح عليهما إذن في الخلع. أي: لا جناح عليها هي في الدفع ولا عليه هو في الأخذ.
وصرح في موضع آخر بالنهي عن الرجوع في شئ مما أعطى الأزواج زوجاتهم ولو كان المعطى قنطارا وبين أن أخذه بهتان وإثم مبين وبين أن السبب المانع من أخذ شئ منه هو أنه أفضى إليها بالجماع. وذلك في قوله تعالى: * (وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا * وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا) *. وبين