وهي غير بائن في نفس الأمر لا تحل لغيره؛ لأن زوجها لم يبنها عن طيب نفس وحكم الحاكم وفتواه لا يحل الحرام في نفس الأمر ويدل له حديث أم سلمة المتفق عليه فإن فيه: فمن قضيت له فلا يأخذ من حق أخيه شيئا فكأنما أقطع له قطعة من نار ويشير له قوله تعالى: * (فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها) * (3373)؛ لأنه يفهم منه أنه لو لم يتركها اختيارا لقضائه وطره منها ما حلت لغيره.
وقد قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري ما نصه: وفي الجملة فالذي وقع في هذه المسألة نظير ما وقع في مسألة المتعة سواء أعني قول جابر إنها كانت تفعل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وصدرا من خلافة عمر قال: ثم نهانا عمر عنها فانتهينا فالراجح في الموضعين تحريم المتعة وإيقاع الثلاث للإجماع الذي انعقد في عهد عمر على ذلك.
ولا يحفظ أن أحدا في عهد عمر خالفه في واحدة منهما وقد دل إجماعهم على وجود ناسخ وإن كان خفي عن بعضهم قبل ذلك حتى ظهر لجميعهم في عهد عمر فالمخالف بعد هذا الإجماع منا بذلة والجمهور على عدم اعتبار من أحدث الاختلاف بعد الاتفاق والله أعلم. اه منه بلفظه.
وحاصل خلاصة هذه المسألة أن البحث فيها من ثلاث جهات:
الأولى: من جهة دلالة النص القولي أو الفعلي الصريح.
الثانية: من جهة صناعة علم الحديث والأصول.
الثالثة: من جهة أقوال أهل العلم فيها أما أقوال أهل العلم فيها فلا يخفى أن الأئمة الأربعة وأتباعهم وجل الصحابة وأكثر العلماء على نفوذ الثلاث دفعة بلفظ واحد وادعى غير واحد على ذلك إجماع الصحابة وغيرهم.
وأما من جهة نص صريح من قول النبي صلى الله عليه وسلم أو فعله فلم يثبت من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم ولا من فعله ما يدل على جعل الثلاث واحدة وقد مر لك أن أثبت ما روي في قصة طلاق ركانة أنه بلفظ البتة وأن النبي حلفه ما أراد إلا واحدة ولو كان لا يلزم أكثر من واحدة بلفظ واحد لما كان لتحليفه معنى. وقد جاء في حديث ابن عمر عند الدارقطني أنه قال: يا رسول الله أرأيت لو طلقتها ثلاثا أكان يحل لي أن أراجعها؟ قال: لا كانت تبين منك وتكون معصية.