تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ١٢٩
التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم وجئتكم بآية من ربكم فاتقوا الله وأطيعون إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون ربنآ آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين إذ قال الله يعيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ثم إلي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون لله تعالى من عباده أصفياء يصطفيهم ويختارهم ويمن عليهم بالفضائل العالية والنعوت السامية والعلوم النافعة والأعمال الصالحة والخصائص المتنوعة فذكر هذه البيوت الكبار وما احتوت عليه من كملة الرجال الذين حازوا أوصاف الكمال وأن الفضل والخير تسلسل في ذراريهم وشمل ذكورهم ونساءهم وهذا من أجل مننه وأفضل مواقع جوده وكرمه) * * (والله سميع عليم) * يعلم من يستحق الفضل والتفضيل فيضع فضله حيث اقتضت حكمته فلما قرر عظمة هذه البيوت ذكر قصة مريم وابنها عيسى صلى الله عليه وسلم وكيف تسلسلا من هذه البيوت الفاضلة وكيف تنقلت بهما الأحوال من ابتداء أمرهما إلى آخره وأن امرأة عمران) * قالت متضرعة إلى ربها متقربة إليه بهذه القربة التي يحبها التي فيها تعظيم بيته وملازمة طاعته إني نذرت لك ما في بطني محررا أي خادما لبيت العبادة المشحون بالمتعبدين * (فتقبل مني) * هذا العمل أي اجعله مؤسسا على الإيمان والإخلاص مثمرا للخير والثواب * (إنك أنت السميع العليم) * * (فلما وضعتها قالت ربي إني وضعتها أنثى) *: * (والله أعلم بما وضعت) * * (وليس الذكر كالأنثى كان في هذا الكلام نوع تضرع منها وانكسار نفس حيث كان نذرها بناء على أنه يكون ذكرا يحصل منه من القوة والخدمة والقيام بذلك ما يحصل من أهل القوة والأنثى بخلاف ذلك فجبر الله قلبها وتقبل الله نذرها وصارت هذه الأنثى أكمل وأتم من كثير من الذكور بل من أكثرهم وحصل بها من المقاصد أعظم مما يحصل بالذكر ولهذا قال * (فتقبلها ربها بقبول حسن) * * (وأنبتها نباتا حسنا) * أي: ربيت تربية عجيبة دينية أخلاقية أدبية كملت بها أحوالها وصلحت بها أقوالها وأفعالها ونما فيها كمالها ويسر الله لها زكريا كافلا وهذا من منة الله على العبد أن يجعل من يتولى تربيته من الكاملين المصلحين ثم إن الله تعالى أكرم مريم وزكريا حيث يسر لمريم من الرزق الحاصل بلا كد ولا تعب وإنما هو كرامة أكرمها الله به إذ * (كلما دخل عليها زكريا المحراب وهو محل العبادة وفيه إشارة إلى كثرة صلاتها وملازمتها لمحرابها وجد عندها رزقا) * هنيئا معدا قال يا مريم * (أنى لك هذا قالت هو من عند الله) * * (إن الله يرزق من يشاء بغير حساب) * فلما رأى زكريا هذه الحال والبر واللطف من الله بها ذكره أن يسأل الله تعالى حصول الولد على حين اليأس منه فقال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء * فنادته الملائكة
(١٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 124 125 126 127 128 129 130 131 132 133 134 ... » »»