تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ١٢٣
تعالى المتفرد بالتأويل بهذا المعنى وإن أريد بالتأويل معنى التفسير ومعرفة معنى الكلام كان العطف أولى فيكون هذا مدحا للراسخين في العلم أنهم يعلمون كيف ينزلون نصوص الكتاب والسنة محكمها ومتشابهها ولما كان المقام مقام انقسام إلى منحرفين ومستقيمين دعوا الله تعالى أن يثبتهم على الإيمان فقالوا * (ربنا لا تزغ قلوبنا) * أي: لا تملها عن الحق إلى الباطل بعد إذ هديتنا * (وهب لنا من لدنك رحمة) * تصلح بها أحوالنا * (إنك أنت الوهاب) * أي: كثير الفضل والهبات وهذه الآية تصلح مثالا للطريقة التي يتعين سلوكها في المتشابهات وذلك أن الله تعالى ذكر عن الراسخين أنهم يسألونه أن لا يزيغ قلوبهم بعد إذ هداهم وقد أخبر في آيات أخر عن الأسباب التي بها تزيغ قلوب أهل الانحراف وأن ذلك بسبب كسبهم كقوله فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة فالعبد إذا تولى عن ربه ووالى عدوه ورأى الحق فصدف عنه ورأى الباطل فاختاره ولاه الله ما تولى لنفسه وأزاغ قبله عقوبة له على زيغه وما ظلمه الله ولكنه ظلم نفسه فلا يلم إلا نفسه الأمارة بالسوء والله أعلم ربنآ إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد هذا من تتمة كلام الراسخين في العلم وهو يتضمن الإقرار بالبعث والجزاء واليقين التام وأن الله لا بد أن يوقع ما وعد به وذلك يستلزم موجبه ومقتضاه من العمل والاستعداد لذلك اليوم فإن الإيمان بالبعث والجزاء أصل صلاح القلوب وأصل الرغبة في الخير والرهبة من الشر اللذين هما أساس الخيرات: (10 - 13) * (إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا وأولئك هم وقود النار * كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآياتنا فأخذهم الله بذنوبهم والله شديد العقاب لما ذكر يوم القيامة ذكر أن جميع من كفر بالله وكذب رسل الله لا بد أن يدخلوا النار ويصلوها وأن أموالهم وأولادهم لن تغني عنهم شيئا من عذاب الله وأنه سيجري عليهم في الدنيا من الأخذات والعقوبات ما جرى على فرعون وسائر الأمم المكذبة بآيات الله أخذهم الله بذنوبهم وعجل لهم في العقوبات الدنيوية متصلة بالعقوبات الأخروية والله شديد العقاب فإياكم أن تستهونوا بعقابه فيهون عليكم الإقامة على الكفر والتكذيب * قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد * قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار) * وهذا خبر وبشرى للمؤمنين وتخويف للكافرين أنهم لا بد أن يغلبوا في هذه الدنيا وقد وقع كما أخبر الله فغلبوا غلبة لم يكن لها مثيل ولا نظير وجعل الله تعالى ما وقع في بدر من آياته الدالة على صدق رسوله وأنه على الحق وأعداءه على الباطل حيث التقت فئتان فئة المؤمنين لا يبلغون إلا ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا مع قلة عددهم وفئة الكافرين يناهزون الألف مع استعدادهم التام في السلاح وغيره فأيد الله المؤمنين بنصره فهزموهم بإذن الله ففي هذا عبرة لأهل البصائر فلولا أن هذا هو الحق الذي إذا قابل الباطل أزهقه واضمحل الباطل لكان بحسب الأسباب الحسية الأمر بالعكس (14 - 17) * (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب * قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا
(١٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 118 119 120 121 122 123 124 125 126 127 128 ... » »»