تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٩٣٧
نارا ذات لهب * وامرأته حمالة الحطب * في جيدها حبل من مسد) * أبو لهب، هو عم النبي صلى الله عليه وسلم، وكان شديد العداوة والأذية له، فلا دين له، ولا حمية للقرابة، قبحه الله. فذمه الله بهذا الذم العظيم، الذي هو خزي عليه إلى يوم القيامة، فقال: * (تبت يدا أبي لهب) *، أي: خسرت يداه وشقي * (وتب) * فلم يربح. * (ما أغنى عنه ماله) * الذي كان عنده، فأطغاه. * (وما كسب) * لم يرد عنه شيئا من عذاب الله، إذا نزل به. * (سيصلى نارا ذات لهب) *، أي: ستحيط به النار من كل جانب، هو * (وامرأته حمالة الحطب) *. وكانت أيضا شديدة الأذية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، تتعاون هي وزوجها على الإثم والعدوان، وتلقي الشر، وتسعى غاية ما تقدر عليه في أذية الرسول صلى الله عليه وسلم، وتجمع على ظهرها الأوزار، بمنزلة من يجمع حطبا، قد أعد له في عنقه حبلا * (من مسد) *، أي: من ليف. أو أنها تحمل في النار الحطب على زوجها، متقلدة في عنقها حبلا من مسد. وعلى كل، ففي هذه السورة، آية باهرة من آيات الله. فإن الله أنزل هذه السورة وأبو لهب وامرأته لم يهلكا. وأخبر أنهما سيعذبان في النار، ولا بد من لازم ذلك أنهما لا يسلمان. فوقع كما أخبر عالم الغيب والشهادة. تم تفسير سورة المسد بعون الله وتيسيره. سورة الإخلاص * (قل هو الله أحد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفوا أحد) * أي: * (قل) * قولا جازما به، معتقدا له، عارفا بمعناه. * (هو الله أحد) *، أي: قد انحصرت فيه الأحدية، فهو الأحد المنفرد بالكمال، والذي له الأسماء الحسنى، والصفات الكاملة العليا، والأفعال المقدسة، الذي لا نظير له ولا مثيل. * (الله الصمد) *، أي: المقصود في جميع الحوائج. فأهل العالم العلوي والسفلي مفتقرون إليه غاية الافتقار، يسألونه حوائجهم، ويرغبون إليه في مهماتهم، لأنه الكامل في أوصافه، العليم الذي قد كمل في علمه. الحليم الذي كمل في حلمه. الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء، وهكذا سائر أوصافه. ومن كماله، أنه * (لم يلد ولم يولد) * لكمال غناه، * (ولم يكن له كفوا أحد) *، لا في أسمائه، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، تبارك وتعالى. فهذه السورة مشتملة على توحيد الأسماء والصفات. تم تفسير سورة الإخلاص ولله الحمد والشكر. سورة الفلق * (قل أعوذ برب الفلق * من شر ما خلق * ومن شر غاسق إذا وقب * ومن شر النفاثات في العقد * ومن شر حاسد إذا حسد) * أي: * (قل) * متعوذا * (أعوذ) *، أي: ألجأ، وألوذ، وأعتصم * (برب الفلق) *، أي: فالق الحب والنوى، وفالق الإصباح. * (من شر ما خلق) * وهذا يشمل جميع ما خلق الله، من إنس، وجن، وحيوانات، فيستعاذ بخالقها من الشر الذي فيها. ثم خص بعدما عم، فقال: * (ومن شر غاسق إذا وقب) *، أي: من شر ما يكون في الليل، حين يغشى النعاس، وينتشر فيه كثير من الأرواح الشريرة، والحيوانات المؤذية. * (ومن شر النفاثات في العقد) *، أي: ومن شر السواحر، اللاتي يستعن على سحرهن بالنفث في العقد، التي يعقدنها على السحر. * (ومن شر حاسد إذا حسد) *، والحاسد: هو الذي يحب زوال النعمة عن المحسود فيسعى في زوالها، بما يقدر عليه من الأسباب. فاحتيج إلى الاستعاذة بالله من شره، وإبطال كيده. ويدخل في الحاسد، العاين؛ لأنه لا تصدر العين إلا من حاسد شرير الطبع، خبيث النفس. فهذه السورة تضمنت الاستعاذة، من جميع أنواع الشرور، عموما وخصوصا. ودلت على أن السحر له حقيقة يخشى من ضرره، ويستعاذ بالله منه، ومن أهله. سورة الناس * (قل أعوذ برب الناس * ملك الناس * إل ه الناس * من شر الوسواس الخناس * الذي يوسوس في صدور الناس * من الجنة والناس) * وهذه السورة مشتملة على الاستعاذة برب الناس ومالكهم وإلههم من الشيطان، الذي هو أصل الشرور كلها ومادتها، الذي من فتنته وشره أنه
(٩٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 928 929 930 931 932 933 934 935 936 937 938 » »»