لله عليه. فطبيعة الإنسان وجبلته، أن نفسه، لا تسمح بما عليه من الحقوق، فتؤديها كاملة موفرة، بل طبيعتها الكسل والمنع لما عليها من الحقوق المالية والبدنية، إلا من هداه الله وخرج عن هذا الوصف إلى وصف السماح بأداء الحقوق. * (وإنه على ذلك لشهيد) *، أي: إن الإنسان، على ما يعرف من نفسه من المنع والكند، لشاهد بذلك، لا يجحده ولا ينكره، لأن ذلك، بين واضح. ويحتمل أن الضمير عائد إلى الله، أي: إن العبد لربه لكنود، والله شهيد على ذلك، ففيه الوعيد، والتهديد الشديد، لمن هو عليه كنود، بأن الله عليه شهيد. * (وإنه) *، أي: الإنسان * (لحب الخير) *، أي: المال * (لشديد) *، أي: كثير الحب للمال. وحبه لذلك، هو الذي أوجب له ترك الحقوق الواجبة عليه، قدم شهوة نفسه على رضا ربه، وكل هذا لأنه قصر نظره على هذه الدار، وغفل عن الآخرة. ولهذا قال حاثا له على خوف يوم الوعيد: * (أفلا يعلم) *، أي: هلا يعلم هذا المعتز * (إذا بعثر ما في القبور) *، أي: أخرج الله الأموات من قبورهم، لحشرهم ونشرهم. * (وحصل ما في الصدور) *، أي: ظهر وبان ما فيها، وما استتر في الصدور من كمائن الخير والشر، فصار السر علانية، والباطن ظاهرا، وبان على وجوه الخلق نتيجة أعمالهم. * (إن ربهم بهم يومئذ لخبير) * بأعمالهم الظاهرة والباطنة، الخفية والجلية، ومجازيهم عليها. وخص خبرهم بذلك اليوم، مع أنه خبير بهم في كل وقت، لأن المراد بهذا، الجزاء على الأعمال، الناشئ عن علم الله، واطلاعه. تم تفسير سورة العاديات، ولله الحمد والمنة. سورة القارعة * (القارعة ما القارعة وما أدراك ما القارعة يوم يكون الناس كالفراش المبثوث وتكون الجبال كالعهن المنفوش فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية وأما من خفت موازينه فأمه هاوية وما أدراك ما هيه نار حامية) * * (القارعة) * من أسماء يوم القيامة، سميت بذلك، لأنها تقرع الناس وتزعجهم بأهوالها. ولهذا عظم أمرها، وفخمه بقوله: * ( القارعة ما القارعة وما أدراك ما القارعة يوم يكون الناس) * من شدة الفزع والهول. * (كالفراش المبثوث) *، أي: كالجراد المنتشر، الذي يموج بعضه في بعض، والفراش هي: الحيوانات التي تكون في الليل، يموج بعضها ببعض لا تدري أين توجه. فإذا أوقد لها نار، تهافتت إليها، لضعف إدراكها، فهذه حال الناس أهل العقول. وأما الجبال الصم الصلاب، فتكون * (كالعهن المنفوش) *، أي: كالصوف المنفوش، الذي بقي ضعيفا جدا، تطير به أدنى ريح. قال تعالى: * (وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب) *. ثم بعد ذلك، تكون هباء منثورا، فتضمحل ولا يبقى منها شيء يشاهد، فحينئذ تنصب الموازين، وينقسم الناس قسمين: سعداء وأشقياء. * (فأما من ثقلت موازينه) *، أي: رجحت حسناته على سيئاته * (فهو في عيشة راضية) * في جنات النعيم. * (وأما من خفت موازينه) * بأن لم تكن له حسنات تقاوم سيئاته. * (فأمه هاوية) *، أي: مأواه ومسكنه النار التي من أسمائها الهاوية، تكون له بمنزلة الأم الملازمة كما قال تعالى: * (إن عذابها كان غراما) *. وقيل: إن معنى ذلك، فأم دماغه هاوية في النار، أي: يلقى في النار على رأسه. * (وما أدراك ما هيه) * وهذا تعظيم لأمرها، ثم فسرها بقوله: * (نار حامية) *، أي: شديدة الحرارة، قد زادت حرارتها، على حرارة نار الدنيا بسبعين ضعفا. نستجير بالله منها. تم تفسير سورة القارعة بحمد الله وفضله. سورة التكاثر * (ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون كلا لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين ثم لتسألن يومئذ عن النعيم) * يقول تعالى موبخا عباده عن اشتغالهم عما خلقوا له من عبادته وحده لا شريك له، ومعرفته، والإنابة إليه، وتقديم محبته على كل شيء. * (ألهاكم) * عن ذلك المذكور * (التكاثر) *، ولم يذكر المتكاثر به، ليشمل ذلك كل ما يتكاثر به المتكاثرون، ويفتخر به المفتخرون، من الأموال، والأولاد، والأنصار، والجنود، والخدم، والجاه، وغير ذلك مما يقصد منه مكاثرة كل واحد للآخر، وليس المقصود منه وجه الله. فاستمرت غفلتكم، ولهوتكم، وتشاغلكم * (حتى زرتم المقابر) *، فانكشف حينئذ لكم الغطاء، ولكن
(٩٣٣)