تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٩٣٦
كثرتها، واستنارتها، من شرب منه شربه، لم يظمأ بعدها أبدا. ولما ذكر منته عليه، أمره بشكرها فقال: * (فصل لربك وانحر) * خص هاتين العبادتين بالذكر، لأنهما أفضل العبادات، وأجل القربات. ولأن الصلاة تتضمن الخضوع في القلب والجوارح لله، وتنقله في أنواع العبودية. وفي النحر، تقرب إلى الله، بأفضل ما عند العبد، من الأضاحي، وإخراج للمال الذي جبلت النفوس على محبته، والشح به. * (إن شانئك) *، أي: مبغضك وذامك، ومنتقصك * (هو الأبتر) *، أي: المقطوع من كل خير، مقطوع العمل، مقطوع الذكر. وأما محمد صلى الله عليه وسلم، فهو الكامل حقا، الذي له الكمال الممكن للمخلوق، من رفع الذكر، وكثرة الأنصار والأتباع، صلى الله عليه وسلم. تم تفسير سورة الكوثر فلله الحمد والشكر. سورة الكافرون * (قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد لكم دينكم ولي دين) * أي: قل للكافرين معلنا ومصرحا * (لا أعبد ما تعبدون) *، أي: تبرأ مما كانوا يعبدون من دون الله، ظاهرا وباطنا. * (ولا أنتم عابدون ما أعبد) * لعدم إخلاصكم في عبادتكم لله، فعبادتكم له، المقترنة بالشرك، لا تسمى عبادة. وكرر ذلك، ليدل الأول على عدم وجود الفعل، والثاني، على أن ذلك قد صار وصفا لازما. ولهذا ميز بين الفريقين، وفصل بين الطائفتين، فقال: * (لكم دينكم ولي دين) * كما قال تعالى: * (قل كل يعمل على شاكلته * أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون) *. تم تفسير سورة الكافرين بفضل الله وتيسيره. سورة النصر * (إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا) * في هذه السورة الكريمة، بشارة وأمر لرسوله عند حصولها، وإشارة وتنبيه على ما يترتب على ذلك. فالبشارة هي: البشارة بنصر الله لرسوله، وفتحه مكة، ودخول الناس في دين الله أفواجا، بحيث يكون كثير منهم من أهله وأنصاره، بعد أن كانوا من أعدائه، وقد وقع هذا المبشر به. وأما الأمر بعد حصول النصر والفتح، فأمر رسوله أن يشكره على ذلك، ويسبح بحمده ويستغفره. وأما الإشارة، فإن في ذلك إشارتين: إشارة أن النصر يستمر للدين، ويزداد عند حصول التسبيح بحمد الله واستغفاره، من رسوله، فإن هذا من الشكر، والله يقول: * (لئن شكرتم لأزيدنكم) *. وقد وجد ذلك في زمن الخلفاء الراشدين وبعدهم في هذه الأمة. لم يزل نصر الله مستمرا، حتى وصل الإسلام إلى ما لم يصل إليه دين من الأديان، ودخل فيه من لم يدخل في غيره، حتى حدث من الأمة من مخالفة أمر الله ما حدث، فابتلوا بتفرق الكلمة، وتشتت الأمر، فحصل ما حصل. ومع هذا، فلهذه الأمة، وهذا الدين، من رحمة الله ولطفه، ما لا يخطر بالبال، ويدور في الخيال. وأما الإشارة الثانية، فهي إلى أن أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قرب ودنا، ووجه ذلك أن عمره، عمر فاضل، أقسم الله به. وقد عهد أن الأمور الفاضلة، تختم بالاستغفار، كالصلاة، والحج، وغير ذلك. فأمر الله لرسوله بالحمد والاستغفار في هذه الحال، إشارة إلى أن أجله قد انتهى، فليستعد ويتهيأ للقاء ربه، ويختم عمره بأفضل ما يجده صلوات الله وسلامه عليه. فكان يتأول القرآن، ويقول ذلك في صلاته يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي). تم تفسير سورة النصر بتيسير الله ومعونته. سورة المسد * (تبت يدآ أبي لهب وتب * ما أغنى عنه ماله وما كسب * سيصلى
(٩٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 928 929 930 931 932 933 934 935 936 937 938 » »»