عمرة بخلاف الطواف بالبيت فإنه يشرع مع العمرة والحج وهو عبادة مفردة فإما السعي والوقوف بعرفة ومزدلفة ورمي الجمار فإنها تتبع النسك فلو فعلت غير تابعة للنسك كانت بدعة لأن البدعة نوعان: نوع يتعبد لله بعباده لم يشرعها أصلا ونوع يتعبد له بعبادة قد شرعها على صفة مخصوصة فتفعل على غير تلك الصفة وهذا منه وقوله: * (ومن تطوع) * أي: فعل طاعة مخلصا بها لله تعالى * (خيرا) * من حج وعمرة وطواف وصلاة وصوم وغير ذلك * (فهو خير له) * فدل هذا على أنه كلما ازداد العبد من طاعة الله ازداد خيره وكماله ودرجته عند الله لزيادة إيمانه ودل تقييد التطوع بالخير أن من تطوع بالبدع التي لم يشرعها الله ولا رسوله أنه لا يحصل له إلا العناء وليس بخير له بل قد يكون شرا له إن كان متعمدا عالما بعدم مشروعية العمل (* (فإن الله شاكر عليم) * الشاكر والشكور من أسماء الله تعالى الذي يقبل من عباده اليسير من العمل ويجازيهم عليه العظيم من الأجر الذي إذا قام عبده بأوامره وامتثل طاعته أعانه على ذلك وأثنى عليه ومدحه وجازاه في قلبه نورا وإيمانا وسعة وفي بدنه قوة ونشاطا وفي جميع أحواله زيادة بركة ونماء وفي أعماله زيادة توفيق ثم بعد ذلك يقدم على الثواب الآجل عند ربه كاملا موفرا لم تنقصه هذه الأمور ومن شكره لعبده أن من ترك شيئا لله أعاضه خيرا منه ومن تقرب منه شبرا تقرب منه ذراعا ومن تقرب منه ذراعا تقرب منه باعا ومن أتاه يمشي أتاه هرولة ومن عامله ربح عليه أضعافا مضاعفة ومع أنه شاكر فهو عليم بمن يستحق الثواب الكامل بحسب نيته وإيمانه وتقواه ممن ليس كذلك عليم بأعمال العباد فلا يضيعها بل يجدونها أوفر ما كانت على حسب نياتهم التي اطلع عليها العليم الحكيم (159 - 162) * (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون) * هذه الآية وإن كانت نازلة في أهل الكتاب وما كتموا من شأن الرسول صلى الله عليه وسلم وصفاته فإن حكمها عام لكل من اتصف بكتمان ما أنزل الله * (من البينات) * الدالات على الحق المظهرات له * (والهدى) * وهو العلم الذي تحصل به الهداية إلى الصراط المستقيم ويتبين به طريق أهل النعيم من طريق أهل الجحيم فإن الله أخذ الميثاق على أهل العلم بأن يبينوا للناس ما من الله به عليهم من علم الكتاب ولا يكتموه فمن نبذ ذلك وجمع بين المفسدتين: كتم ما أنزل الله والغش لعباد الله فأولئك * ( يلعنهم الله) * أي: يبعدهم ويطردهم عن قربه ورحمته * (ويلعنهم اللاعنون) * وهم جميع الخليقة فتقع عليهم اللعنة من جميع الخليقة لسعيهم في غش الخلق وفساد أديانهم وإبعادهم من رحمة الله فجوزوا من جنس عملهم كما أن معلم الناس الخير يصلي الله عليه وملائكته حتى الحوت في جوف الماء لسعيه في مصلحة الخلق وإصلاح أديانهم وقربهم من رحمة الله فجوزي من جنس عمله فالكاتم لما أنزله الله مضاد لأمر الله مشاق لله يبين الله الآيات للناس ويوضحها وهذا يطمسها ويعميها فهذا عليه هذا الوعيد الشديد * (إلا الذين تابوا) * أي: رجعوا عما هم عليه من الذنوب ندما وإقلاعا وعزما على عدم المعاودة * (وأصلحوا) * ما فسد من أعمالهم فلا يكفي ترك القبيح حتى يحصل فعل الحسن ولا يكفي ذلك في الكاتم أيضا حتى يبين ما كتمه ويبدي ضد ما أخفى فهذا يتوب الله عليه لأن توبة الله غير محجوب عنها فمن أتى بسبب التوبة تاب الله عليه لأنه * (التواب) * أي: الرجاع على عباده بالعفو والصفح بعد الذنب إذا تابوا وبالإحسان والنعم بعد المنع إذا رجعوا * (الرحيم) * الذي اتصف بالرحمة العظيمة التي وسعت كل شيء ومن رحمته أن وفقهم للتوبة والإنابة فتابوا وأنابوا ثم رحمهم بأن قبل ذلك منهم لطفا وكرما هذا حكم التائب من الذنب وأما من كفر واستمر على كفره حتى مات ولم يرجع إلى ربه ولم ينب إليه ولم يتب عن قريب فأولئك * (عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) * لأنه لما صار كفرهم وصفا ثابتا صارت اللعنة عليهم وصفا ثابتا لا تزول لأن الحكم يدور مع علته وجودا وعدما * (خالدين فيها) * أي: في اللعنة أو في العذاب والمعنيان متلازمان * (لا يخفف عنهم العذاب) * بل عذابهم دائم شديد مستمر * (ولا هم ينظرون) * أي: يمهلون لأن وقت الإمهال وهو الدنيا قد مضى ولم يبق لهم عذر فيعتذرون (163) * (وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم) * يخبر تعالى - وهو أصدق القائلين - أنه * (إله واحد) * أي: متوحد منفرد في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله فليس له
(٧٧)