تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٣٠ - الصفحة ١٨٢
به اليهودي والنصراني ونحوهما مع أنه تعالى يقول وربك الأكرم فعلى العبد أن يراعي الأدب مع مولاه شاكرا كرمه الذي أولاه.
* (كلا إن الإنس‍ان ليطغى) * * (كلا) * ردع لمن كفر من جنس الإنسان بنعمة الله تعالى عليه بطغيانه وإن لم يذكر لدلالة الكلام عليه وذلك لأن مفتتح السورة إلى هذا المقطع يدل على عظيم منته تعالى على الإنسان فإذا قيل كلا كان ردعا للإنسان الذي قابل تلك النعم لجلائل بالكفران والطغيان وكذلك التعليل بقوله تعالى: * (إن الإنسان ليطغى) * أي ليتجاوز والحد في المعصية واتباع هوى النفس ويستكبر على ربه عز وجل وقال الكلبي أي ليرتفع عن منزلة إلى منزلة في اللباس والعطام وغيرهما وليس بذاك وقدر بعضهم بعد قوله تعالى: * (ما لم يعلم) * ليشكر تلك النعم الجليلة فطغى وكفر كلا وقيل كلا بمعنى حقا لعدم ما يتوجه إليه الردع والزجر ظاهرا فقوله سبحانه: * (إن الإنسان) * الخ بيان لما أريد إحقاقه وهذا إلى آخر السورة قيل نزل في أبي جهل بعد زمان من نزول الآيات السابقة وهو الظاهر ومع نزوله في ذلك اللعين المراد بالإنسان الجنس وقوله سبحانه:
* (أن رءاه استغنى) * * (أن رآه استغنى) * مفعول من أجله أي يطغى لأن رأى نفسه مستغنيا على أن جملة استغنى مفعول ثان لرأى لأنه بمعنى علم ولذلك ساغ كون فاعله ومفعوله ضميري واحد نحو علمتني فقد قالوا إن ذلك لا يكون في غير أفعال القلوب وفقد وعدم وذهب جماعة إلى أن رأي البصرية قد تعطى حكم القلبية في ذلك وجعلوا منه قول عائشة لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وما لنا طعام إلا الاسودان وأنشدوا: ولقد أراني للرماح دريئة * من عن يميني تارة وأمامي فإذا جعلت رأي هنا بصرية فالجملة في موضع الحال وتعليل طغيانه برؤيته لا بنفس الاستغناء كما ينبىء عنه قوله تعالى: * (ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض) * للايذان بأن مدار طغيانه زعمه الفاسد على الأول ومجرد رؤيته ظاهر الحال من غير روية وتأمل في حقيقته على الثاني وعلى الوجهين المراد بالاستغناء الغني بالمال أعني مقابل الفقر المعروف وقيل المراد أن رأى نفسه مستغنيا عن ربه سبحانه بعشيرته وأمواله وقوته وهو خلاف الظاهر ويبعده ظاهر ما روى أن أبا جهل قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم أتزعم أن من استغنى طغى فاجعل لنا جبال مكة ذهبا وفضة لعلنا نأخذ منها فنطغى فندع ديننا ونتبع دينك فنزل جبريل عليه السلام فقال إن شئت فعلنا ذلك ثم إن لم يؤمنوا فعلنا بهم ما فعلنا بأصحاب المائدة فكف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدعاء ابقاء عليهم وقرأ قنبل بخلاف عنه أن رأه بحذف الألف التي بعد الهمزة وهي لام الفعل وروى ذلك عنه ابن مجاهد وغلطه فيه وقال إن ذلك حذف لا يجوز وفي " البحر " ينبغي أن لا يغلطه بل يتطلب له وجها وقد حذفت الألف في نحو من هذا قال: وصاني العجاج فيمن وصني يريد وصاني فحذف الألف وهي لام الفعل وقد حذفت في مضارع رأى في قولهم أصاب الناس جهد لوتر أهل مكة وهو حذف لا ينقاس لكن إذا صحت الرواية وجب القبول فالقراآت جاءت على لغة العرب قياسها وشاذها وقوله تعالى:
* (إن إلى ربك الرجعى) * * (إن إلى ربك الرجعى) * تهديد للطاغي وتحذير له من عاقبة الطغيان والخطاب قيل للإنسان والالتفات للتشديد في التهديد وجوز أن يكون الخطاب لسيد المخاطبين صلى الله عليه وسلم والمراد أيضا تهديد الطاغي وتحذيره ولعله الأظهر نظرا إلى الخطابات قبله والرجعى مصدر بمعنى الرجوع كالبشرى والألف فيها للتأنيث وتقديم الجار والمجرور عليه للقصر أي أن إلى ربك رجوع الكل بالموت والبعث لا إلى غيره سبحانه استقلالا أو اشتراكا فترى حينئذ عاقبة الطغيان وفي هذه الآيات على ما قيل ادماج التنبيه على مذمة المال كما أن في الآيات الأول إدماج التنبيه على مدح العلم وكفى ذلك مرغبا في الدين والعلم ومنفرا عن الدنيا والمال وقوله تعالى:
* (أرأيت الذى ينهى * عبدا إذا صلى) *
(١٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 177 178 179 180 181 182 183 184 185 186 187 ... » »»