ربك) * قال هذه أول سورة أنزلت على محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أخرج الحاكم في " المستدرك " والبيهقي في " الدلائل " وصححاه عن عائشة نحوه وأخرج غير واحد عن مجاهد قال أول ما نزل من القرآن * (اقرأ باسم ربك) * ثم * (ن) * و * (القلم) * وروى الشيخان عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال سألت جابر بن عبد الله أي القرآن أنزل أولا قال * (يا أيها المدثر) * قلت يقولون * (اقرأ باسم ربك) * قال أحدثكم بما حدثنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فساق الحديث مستدلا به على ما ادعاه وأجاب عنه الأولون بعدة أجوبة مر ذكرها وقيل الفاتحة واحتج له بحديث مرسل رجاله ثقات أخرجه البيقي في " الدلائل " والواحدي من طريق يونس بن بكير عن يونس بن عمر عن أبيه عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل وأجيب عنه بأن ما فيه يحتمل أن يكون خبرا عما نزل بعد * (اقرأ) * و * (يا أيها المدثر) * مع أن غيره أقوى منه رواية وجزم جابر بن زيد بأن أول ما نزل * (اقرأ) * ثم * (ن) * ثم * (يا أيها المزمل) * ثم * (يا أيها المدثر) * ثم * (الفاتحة) * وقيل أول ما نزل صدرها إلى ما لم يعلم في غار حراء ثم نزل آخرها بعد ذلك بما شاء الله تعالى وهو ظاهر ما أخرجه الإمام أحمد والشيخان وعبد بن حميد وعبد الرزاق وغيرهم من طريق ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة في حديث بدء الوحي وفيه فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال * (اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم) * فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ترجف بوادره إلى أن قالت ثم لم ينشب ورقة أن توفي وفتر الوحي وفي آخر ما رووا قال ابن شهاب وأخبرني أبو سلمة عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال وهو يحدث عن فترة الوحي فقال في حديثه بينا أنا أمشي إذا سمعت صوتا من السماء فرفعت بصري فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض فرعبت منه فرجعت فقلت زملوني زملوني فأنزل الله تعالى: * (يا أيها المدثر قم فانذر وربك فكبر وثيابك فطهر والرجز فاهجر) * فحمى الوحي وتتابع ويعلم منه ضعف الاستدلال على كون سورة المدثر أول نازل من القرآن على الإطلاق بما روى أولا عن جابر المذكور كما لا يخفى على الواقف عليه وقد ذكرناه صدر الكلام في سورة المدثر لقوله فيه وهو يحدث عن فترة الوحي وقوله فإذا الملك الذي جاءني بحراء وقوله: * (فحمى الوحي وتتابع) * أي بعد فترة وبالجملة الصحيح كما قال البعض وهو الذي اختاره أن صدر هذه السورة الكريمة هو أول ما نزل من القرآن على الإطلاق كيف وقد ورد حديث بدء الوحي المروي عن عائشة من أصح الأحاديث وفيه فجاءه الملك فقال: * (اقرأ) * فقال قلت ما أنا بقارىء فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد الخ. والظاهر أن ما فيه نافية بل قال النووي هو الصواب وذلك إنما يتصور أولا وإلا لكان الامتناع من أشد المعاصي ويطابقه ما ذكره الأئمة في باب تأخير البيان وسنشير إليه إن شاء الله تعالى وفي الكشف الوجه حمل قول جابر على السورة الكاملة وفي شرح " صحيح مسلم " الصواب أن أول ما نزل * (اقرأ) * أي مطلقا وأول مانزل بعد فترة الوحي * (يا أيها المدثر) * وأما قول من قال من المفسرين أول ما نزل الفاتحة فبطلانه أظهر من أن يذكر انتهى وتمام الكلام في هذا المقام يطلب من محله والله تعالى أعلم ولما ذكر سبحانه في سورة التين خلق الإنسان في أحسن تقويم بين عز وجل هنا أنه تعالى خلق الإنسان من علق فكان ما تقدم كالبيان للعلة الصورية وهذا كالبيان للعلة المادية وذكر سبحانه هنا أيضا من أحواله في الآخرة ما هو أبسط مما ذكره عز وجل هناك فقال سبحانه وتعالى:
* (اقرأ باسم ربك الذى خلق) *.
* (إقرأ) * أي ما يوحى إليك من القرآن فالمفعول مقدر بقرينة المقام كما قيل وليس الفعل منزلا منزلة اللازم ولا أن مفعوله قوله تعالى: * (باسم ربك) * على الباء زائدة كما قال