النهي على ما قيل كان عن الصلاة والأمر بها وكان الظاهر عليه أن يذكر في الجملة الأولى أيضا بأن يقال أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى أو أمر بالتقوى لكنه حذف اكتفاء بذكره في الثانية واقتصر على ذكر الصلاة ولم يعكس لأن الأمر بالتقوى دعوة قولية والصلاة دعوة فعلية والفعل أقوى من القول وإنما كانت دعوة وأمرا لأن المقتدى به إذا فعل فعلا كان في قوة قوله افعلوا هذا وقيل المذكور أولا ليس النهي عن الصلاة بل النهي حين الصلاة وهو محتمل أن يكون لها أو لغيرها وعامة أحوال الصلاة لما انحصرت في تكميل أنفس المصلي بالعبادة وتكميل غيره بالدعوة فنهيه في تلك الحالة يكون عن الصلاة والدعوة معا فلذا ذكر في الجملة الثانية انتهى فلا تغفل وجوز الإمام كون الخطاب في الكل له عليه الصلاة والسلام وقال في بيان معنى * (أرأيت إن كان) * الخ أرأيت إن صار على الهدى واشتغل بأمر نفسه أما كان يليق به ذلك إذ هو رجل عاقل ذو ثروة فلو اختار الرأي الصائب والاهتداء والأمر بالتقوى أما كان ذلك خيرا له من الكفر بالله تعالى والنهي عن خدمته سبحانه وطاعته عز وجل كأنه تعالى يقول تلهف عليه كيف فوت على نفسه المراتب العلية وقنع بالمراتب الردية واعتبر عصام الدين هذه الجملة توبيخا على تفويت ما ينفع وما بعدها توبيخا على كسب ما يضر فقال إن قوله تعالى: * (أرأيت الذي) * الخ استشهاد لطغيان الإنسان إن رآه مستغنيا والرؤية بمعنى الإبصار أي أشاهدت الذي ينهى عبدا إذا صلى وعرفت طغيان الإنسان المستغني وأنه لا يكفي بكفرانه ويتجاوز إلى تكليف العبد الذي أرسل للمنع عن الكفران بالكفران وقوله سبحانه: * (أرأيت إن كان) * الخ توبيخ له على فوت ما لا يعلم كنهه بفوت الهدى والأمر بالتقوى يعني أعلمت أنه على أي فوز إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى وقوله عز وجل: * (أرأيت إن كذب) * الخ توبيخ له بما كسب من استحقاق العذاب والبعد عن رب الأرباب أي أعلمت أنه على أي عقوبة ومؤاخذة وقوله تعالى: * (ألم يعلم) * الخ تهديد ووعيد شديد بعد التوبيخ على كسب حال الشقي وفوت حال السعيد انتهى وهو كما ترى فتأمل جميع ما تقدم والله تعالى بمراده أعلم ثم إن الآية وإن نزلت في أبي جهل عليه اللعنة لكن كل من نهى عن الصلاة ومنع منها فهو شريكه في الوعيد ولا يلزم على ذلك المنع عن النهي عن الصلاة في الدار المغصوبة والأوقات المكروهة لأن المنهي عنه في الحقيقة ليس عن الصلاة نفسها بل عن وصفها المقارن ولشدة الاحتياط تحاشي بعضهم عن النهي مطلقا فروي عن أمير المؤمنين كرم الله تعالى وجهه أنه رأى في المصلي أقواما يصلون قبل صلاة العيد فقال ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك فقيل له رضي الله تعالى عنه ألا تنهاهم فقا لرضي الله تعالى عنه أخشي أن أدخل تحت وعيد قوله تعالى: * (أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى) * وفي رواية لا أحب أن أنهي عبدا إذا صلى ولكن أحدثهم بما رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سلك نحو هذا المسلك أبو حنيفة عليه الرحمة فقد روي أن أبا يوسف قال له أيقول المصلي حين يرفع رأسه من الركوع اللهم اغفر لي فقال يقول ربنا لك الحمد ويسجد ولم يصرح بالنهي ويقاس على النهي عن الصلاة النهي عن غيرها من أنواع العبادة ولا فرق بين النهي القالي والنهي الحالي ومنه أن يشغل المرء المرء عن ذلك وقد ابتلي به كثير من الناس.
* (كلا لئن لم ينته لنسفعا بالناصية) * * (كلا) * ردع للناهي اللعين وزجر له واللام في قوله تعالى: * (لئن لم ينته) * موطئة للقسم أي والله لئن لم ينته عما هو عليه ولم ينزجر * (لنسفعا بالناصية) * أي لنأخذن بناصيته ولنسحبنه بها إلى النار يوم القيامة والسفع قال المبرد الجذب بشدة وسفع بناصية فرسه جذب قال عمرو بن معد يكرب: قوم إذ كثر الصياح رأيتهم * ما بين ملجم مهره أو سافع