تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٣٠ - الصفحة ١٧٥
كالفرد بهذا الاعتبار كأنه قيل والأرض التي باركنا فيها دينا ودنيا والبلد الآمن من دخله في الدارين وذلك بركة يتضاءل دونها كل بركة يتضائل دونها كل بركة ويتضمن ذلك أن شرف تلك البقاع بمنجاة موسى عليه السلام ربه عز وجل أياما معدودة وكم نوجيت في البلد الأمين ثم قال والحمل على الظاهر أريد المنابت أو الشجر أن يفوته المناسبة بين الأولين والبلد الأمين لأن مناسبة طور سينين للبلد غير مناسبته لهما والكلام مسوق للأول انتهى فتأمل فإنه دقيق وأيا ما كان فجواب القسم قوله تعالى:
* (لقد خلقنا الإنس‍ان فىأحسن تقويم) * * (لقد خلقنا الإنسان) * الخ وأريد بالانسان الجنس فهو شامل للمؤمن والكافر لا مخصوص بالثاني واستدل عليه بصحة الاستثناء وان الأصل فيه الاتصال وقوله تعالى: * (في أحسن تقويم) * في موضع الحال من الإنسان أي كائنا في تقويم أحسن تقويم والتقويم التثقيف والتعديل وهو فعل الله عز وجل فمعنى كون الإنسان كائنا في ذلك على ما قيل إنه ملتبس به نظير قولك فلان في رضا زيد بمعنى أنه مرضي عنه وقال الخفاجي هو مؤول بمعنى القوام أو المقوم وفيه مضاف مقدر أي قوام أحسن تقويم أو في زائدة وما بعدها في موضع المفعول المطلق وقد ناب فيه عن المصدر صفته والتقدير قومناه تقويما أحسن تقويم والمراد بذلك جعله على أحسن ما يكون صورة ومعنى فيشمل ماله من انتصاب القامة وحسن الصورة والإحساس وجودة العقل وغير ذلك ومن أمعن نظره في أمره وأجال فكره في دقائق ظاهره وسره رآه كما قال بعض الأجلة مجمع مجرى الغيب والشهادة ومطلع نيري فلكي الإفادة والاستفادة والنسخة الجامعة لما في رسائل إخوان الصفا وسائر المتون والشارح بسطورطروس العجائب الإلهية المودعة فيه لما كان وسيكون وظهر له صدق ما قيل ونسب لعلي كرم الله تعالى وجهه: دواؤك فيك ولا تشعر * وداؤك منك وما تبصر وتزعم انك جرم صغير * وفيك انطوى العالم الأكبر ومما يدل على أحسنية تقويمه إن الله تعالى رسم فيه من الصفات ما تذكره صفاته عز وجل وتدله عليها فجعله عالما مريدا قادرا إلى غير ذلك وقال تعالى تخلقوا بأخلاق الله لئلا يتوهم ان ما للسيد على العبد حرام ويكفي في هذا الباب وهو القول الفصل إن الله تعالى خلقه بيديه وأمر سبحانه ملائكته عليهم السلام بالسجود له وهم المكرمون لديه وجاء إن الله تعالى خلق آدم على صورته وفي رواية على صورة الرحمن وهي تأبى احتمال عود الضمير على آدم على معنى خلقه غير متنقل في الأطوار كينية ولكونه النسخة الجامعة قال يحيى بن معاذ الرازي من عرف نفسه فقد عرف ربه والناس يزعمونه حديثا وليس كما قال النووي بثابت وعن يحيى بن أكثم وبعض الحنفية أنهما أفتيا من قال لزوجته إن لم تكوني أحسن من القمر فأنت طالق بعد وقوع الطلاق واستدلا بهذه الآية في قصة مشهورة وللشعراء في تفضيل معشوقهم على القمر ليلة تمه ما يضيق عنه نطاق الحصر والحق أن الفرق مثل الصبح ظاهر وثم في قوله تعالى:
* (ثم رددن‍اه أسفل س‍افلين) * * (ثم رددناه أسفل سافلين) * للتراخي الزماني أو الرتبى والرد إما بمعنى الجعل فينصب مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر كما في قوله: فرد شعورهن السود بيضا * ورد وجوههن البيض سودا فاسفل مفعول ثان له هنا والمعنى ثم جعلناه من أهل النار الذين هم أقبح من كل قبيح وأسفل من كل سافل خلقا وتركيبا لعدم جريه على موجب ما خلقناه عليه من الصفات وجوز أن يكون المراد بالرد
(١٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 170 171 172 173 174 175 176 177 178 179 180 ... » »»