الذي غيب أبوه في التراب فيقول الملائكة أنت أعلم فيقول الله تعالى: يا ملائكتي إني أشهدكم أن علي لمن أسكته وأرضاه أن أرضيه يوم القيامة فكان عمر رضي الله تعالى عنه إذا رأى يتيما مسح رأسه وأعطاه شيئا ولم يصح في كيفية مسحه شيء والرواية عن ابن عباس في ذلك قد قيل فيها ما قيل وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: أنا وكافل اليتيم كهاتين إذا اتقى الله عز وجل وأشار بالسبابة والوسطى إلى غير ذلك من الأخبار.
* (وأما السآئل فلا تنهر) * * (وأما السائل فلا تنهر) * أي فلا تزجره ولكن تفضل عليه بشيء أورده بقول جميل وأريد به عند جمع السائل المستجدي الطالب لشيء من الدنيا وتدل الآية على الاعتناء بشأنه أيضا وعن إبراهيم ابن أدهم نعم القوم السؤال يحملون زادنا إلى الآخرة وعن إبراهيم النخعي السائل يريد الآخرة يجىء إلى باب أحدكم فيقول أتبعثون إلى أهليكم بشيء وشاع حديث للسائل حق وإن جاء على فرس وقد قال فيه الإمام أحمد كما في تمييز الطيب من الخبيث لا أصل له وأخرجه أبو داود عن الحسين بن علي رضي الله تعالى عنهما موقوفا وسكت عنه وقال العراقي سنده جيد وتبعه غيره وقال ابن عبد البر أنه ليس بالقوي وعول كثير على ما قال الإمام أحمد وفي معناه احتمالان كل منهما يؤذن بالاهتمام بأمر السائل وروي من طرق عن عائشة وغيرها لو صدق السائل ما أفلح من رده وهو أيضا على ما قال ابن المديني لا أصله له وقال ابن عبد البر جميع أسانيده ليست بالقوية نعم أخرج الطبراني في الكبير عن أبي أمامة مرفوعا ما يقرب منه وهو لولا أن المساكين يكذبون ما أفلح من ردهم ولم أقف على من تعقبه. ثم النهي على النهر على ما قالوا إذا لم يلح في السؤال فإن ألح ولم ينفع الرد اللين فلا بأس بالزجر وقال أبو الدرداء والحسن وسفيان وغيرهم المراد بالسائل هنا السائل عن العلم والدين لا سائل المال ولعل النهي عن زجره على القول الأول يعلم بالأولى ويشهد للأولوية أنه لا وعيد على ترك إعطاء المستجدي لمن يجد ما يستجديه بخلاف ترك جواب سائل العلم لمن يعلم ففي الحديث من سئل عن علم فكتمه ألجم بلجام من نار وسيأتي إن شاء الله تعالى ما قيل من أن الظاهر الثاني من القولين.
* (وأما بنعمة ربك فحدث) * * (وأما بنعمة ربك فحدث) * فإن التحدث بها شكر لها كما قال عمر بن عبد العزيز والحسن وقتادة والفضيل بن عياض وأخرج البخاري في الأدب وأبو داود والترمذي وحسنه وأبو يعلى وابن حبان والبيهقي والضياء عن جابر بن عبد الله مرفوعا من أعطى عطاء فوجد فليجز به فإن لم يجد فليثن به فمن أثنى به فقد شكره ومن كتمه فقد كفره ومن تحلى بما لم يعط كان كلابس ثوبي زور ولذا استحب بعض السلف التحدث بما عمله من الخير إذا لم يرد به الرياء والافتخاء وعلم الاقتداء به بل بعض أهل البيت رضي الله تعالى عنهم حمل الآية على ذلك أخرج ابن أبي حاتم عن مقسم قال لقيت الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهما وأرضاهما فقلت أخبرني عن قول الله تعالى وأما بنعمة ربك فحدث فقال الرجل المؤمن يعمل عملا صالحا فيخبر به أهل بيته وأخرج ابن أبي حاتم عنه رضي الله تعالى عنه أنه قال فيها: إذا أصبت خيرا فحدث إخوانك والظاهر أن المراد بالنعمة ما أفاضه الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم من فنون النعم التي من جملتها ما تقدم وأخرج ابن المنذر وغيره عن مجاهد تفسيرها بالنبوة ورووا عنه أيضا تفسيرها بالقرآن ووافقه في الأول محمد بن إسحاق وفي الثاني الكلبي وعليهما المراد بالتحديث التبليغ ولا يخفى أن كلا التفسيرين غير مناسب لما قبل وهذه الجمل الثلاث مرتبة على ما قبلها فقيل على اللف والنشر المشوش وحاصل المعنى أنك كنت يتيما وضالا وعائلا فآواك وهداك وأغناك فمهما يكن من شيء فلا تنس نعمة الله تعالى عليك في هذه الثلاث واقتد بالله تعالى فتعطف على اليتيم وترحم على السائل فقد ذقت اليتم والفقر وقوله تعالى: * (وأما بنعمة) * الخ في مقابلة قوله سبحانه: وحدك ضالا فهدى لعمومه وشموله لهدايته عليه الصلاة والسلا من