تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٣٠ - الصفحة ١٧٤
مسجد أصحاب الكهف ومسجد إيلياء وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس أنهما مسجد نوح عليه السلام الذي بني على الجودى وبيت المقدس وعن شهر بن حوشب أنهما الكوفة والشام وتعقب بأن الكوفة بلدة إسلامية مصرها سعد بن أبي وقاص في أيام أمير المؤمنين عمر رضي الله تعالى عنه ولعله أراد الأرض التي تسمى اليوم بالكوفة فقد كانت كما في القاموس وغيره منزل نوح عليه السلام وقال بعضهم إن الكوفة بلد كانت قبل لكنها خربت فجددت في أيام عمر رضي الله تعالى عنه وفيل هما جبال ما بين حلوان وهمدان وجبال الشام لأنهما منابتهما وأيا ما كان فالمتعاطفات متناسبة في أن المراد بها أماكن خصوصة وقيل المراد بهما الشجران المعروفان وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس أنه قال التين والزيتون الفاكهة التي يأكلها الناس وأخرج ابن جرير وابن المنذر وغيرهما عن مجاهد نحوه وحكاه في البحر أيضا عن إبراهيم النخعي وعطاء بن أبي رباح وجابر بن زيد ومقاتل والكلبي وعكرمة والحسن وخصهما الله تعالى على هذا القول بالاقسام بهما من بين الثمار لاختصاصهما بخواص جليلة فإن التين فاكهة طيبة لا فضل لها وغذاء لطيف سريع الانهضام بل قيل إنه أصح الفواكه غذاء إذا أكل على الخلاء ولم يتبع بشيء وهو دواء كثير النفع يفتح السدد ويقوي الكبد ويذهب الطحال وعسر البول وهزال الكلى والخفقان والربو وعسر النفس والسعال وأوجاع الصدر وخشونة القصبة إلى غير ذلك وعن علي الرضا بن موسى الكاظم على جدهما وعليهما السلام أنه يزيل نكهة الفم ويطول الشعر وهو أمان من الفالج وروي أبو ذر أنه أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم طبق من تين فأكل منه وقال لأصحابه كلوا فلو قلت إن فاكهة نزلت من الجنة لقلت هذه لأن فاكهة الجنة بلا عجم فكلوها فإنها تقطع البواسير وتنفع من النقرس ولم أقف للمحدثين على شيء في هذا الحديث لكن قال داود الطبيب بعد سرد نبذة من خواص التين وفي نفعه من البواسير حديث حسن وذكر أن نفعه من النقرس إذا دق مع دقيق الشعير أو القمح أو الحلبة وذكر أنه حينئذ ينفع من الأورام الغليظة وأوجاع المفاصل وله مفردا ومركبا خواص أخرى كثيرة وكذا لشجرته كما لا يخفى على من راجع كتب الطب وما أشبه شجرته بمؤثر على نفسه وبكريم يفعل ولا يقول وأما الزيتون فهو ادام ودواء وفاكهة فيما قيل وقالوا إن المكلس منه لا شيء مثله في الهضم والتسمين وتقوية الأعضاء ويكفيه فضلا دهنه الذي عم الاصطباح به في المساجد ونحوها مع ما فيه من المنافع كتحسين الألوان وتصفية الاخلاط وشد الأعصاب وكفتح السدد وإخراج الدود والإدرار وتفتيت الحصى واصلاح الكلي شربا بالماء الحار كقلع البياض وتقوية البصرا كتحالا إلى غير ذلك وشجرته من الشجرة المباركة المشهود لها في التنزيل وإذا تتبعت خواص أجزائها ظهر لك أنها أجدى من تفاريق العصا وعن معاذ بن جبل أنه مر بشجرة زيتون فأخذ منها سواكا فاستاك به وقال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول نعم السواك الزيتون من الشجرة المباركة يطيب الفم ويذهب بالحفرة وسمعته عليه الصلاة والسلام يقول هو سواكي وسواك الأنبياء عليهم السلام قبلى وقال بعضهم أن تفسيرهما بما ذكر هو الصحيح وكان المراد عليه تين تلك الأماكن المقدسة وزيتونها والغرض من القسم بتلك الأشياء الإبانة عن شرف البقاع المباركة وما ظهر فيها من الخير والبركة ويرجع إلى القسم بالأرض المباركة وبالبلد الأمين وفيه رمز إلى فضل البلد كما يشعر به كلام صاحب الكشاف وبين ذلك في الكشف بقوله وذلك أنه فصل بركتي الأرض المقدسة الدنيوية والدينية بذكر الشجرتين أو ثمرتيهما والطور الذي نودي منه موسى عليه السلام وناب المجموع مناب والأرض المباركة على سبيل الكناية فظهر التناسب في العطف على وجه بين إذ عطف البلد على مجموع الثلاثة لأنها
(١٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 169 170 171 172 173 174 175 176 177 178 179 ... » »»