تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٦ - الصفحة ١٣١
بعضا فهم جامعون لصفتي الجلال والجمال * (سيماهم في وجوههم من أثر السجود) * له عز وجل وعدم السجود لشيء من الدنيا والأخرى وتلك السيما خلع الأنوار الإلهية، قال عامر بن عبد قيس: كاد وجه المؤمن يخبر عن مكنون عمله وكذلك وجه الكافر * (وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة) * سترا لصفاتهم بصفاته عز وجل * (وأجرا عظيما) * (الفتح: 29) وهو أن يتجلى سبحانه لهم بأعظم تجلياته وإلا فكل شيء دونه جل جلاله ليس بعظيم، وسبحانه من إله رحيم وملك كريم.
سورة الحجرات مدنية كما قال الحسن، وقتادة، وعكرمة. وغيرهم وفي مجمع. البيان عن ابن عباس إلا آية وهي قوله تعالى: * (يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر وأنثى) * (الحجرات: 13) ولعل من يعتبر ما أخرجه الحاكم في مستدركه. والبيهقي في الدلائل. والبزار في مسنده من طريق الأعمش عن علقمة عن عبد الله قال: ما كان * (يا أيها الذين آمنوا) * (البقرة: 104) أنزل بالمدينة وما كان * (يا أيها الناس) * فبمكة يقول بمكية ما استثنى، والحق أن هذا ليس بمطرد. وذكر الخفاجي أنها في قول شاذ مكية، وهي ثماني عشرة آية بالإجماع، ولا يخفي تواخيها مع ما قبلها لكونهما مدنيتين ومشتملتين على أحكام وتلك فيها قتال الكفار وهذه فيها قتال البغاة، وتلك ختمت بالذين آمنوا وهذه افتتحت بالذين آمنوا، وتلك تضيمنت تشريفات له صلى الله عليه وسلم خصوصا مطلعها وهذه أيضا في مطلعها أنواع من التشريف له عليه الصلاة والسلام، وفي البحر مناسبتها الآخر ما قبلها ظاهر لأنه عز وجل ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ثم قال سبحانه * (وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات) * (المائدة: 9) الخ فربما صدر من المؤمن عامل الصالحات بعض شيء مما ينبغي أن ينهى عنه فقال جل وعلا تعليما للمؤمنين وتهذيبا لهم.
* (ياأيها الذين ءامنوا لا تقدموا بين يدى الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم) *.
* (ي‍اأيها الذين ءامنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله) * وتصدير الخطاب بالنداء لتنبيه المخاطبين على أن ما في حيزه أمر خطير يستدعي مزيد اعتنائهم وفرط اهتمامهم بتلقيه ومراعاته، ووصفهم بالإيمان لتنشيطهم والإيذان بأنه داع للمحافظة عليه ورادع عن الإخلال به.
و * (تقدموا) * من قدم المبتعدى، ومعناه جل الشيء قدما أي متقدما على غيره، وكان مقتضاه أن يتعدى إلى مفعولين لكن الأكثر في الاستعمال تعديته إلى الثاني بعلى تقول: قدمت فلانا على فلان، وهو هنا محتمل احتمالين. الأول أن يكون مفعوله نسيا والقصد فيه إلى نفس الفعل وهو التقديم من غير اعتبار تعلقه بأمر من الأمور ولا نظر إلى أن المقدم ماذا هو على طريقة قوله تعالى: * (هو الذي يحيي ويميت) * (غافر: 68) وقولهم: يعطي ويمنع، فالمعنى لا تفعلوا التقديم ولا تتلبسوا به ولا تجعلوه منكم بسبيل. والثاني أن يكون قد حذف مفعوله قصدا إلى تعميمه لأنه لاحتماله لأمور لو قدر أحدها كان ترجيحا بلا مرجح يقدر أمرا عاما لأنه أفيد مع الاختصار، فالمعنى لا تقدموا أمرا من الأمور، والأول قيل أوفى بحق المقام لإفادته النهي عن التبيس بنفس الفعل الموجب لانتفائه بالكلية المستلزم لانتفاء تعلقه بمفعوله بالطريق البرهاني، ورجح الثاني بأنه أكثر استعمالا، وبأن الأول تنزيل المتعدى منزلة اللازم وهو خلاف الأصل والثاني سالم منه، والحذف وإن كان خلاف الأصل أيضا أهون من التنزيل المذكور لكثرته بالنسبة إليه، وبعضهم لم يفرق بينهما لتعارض الترجيح عنده وكون مآل المعنى عليهما العموم المناسب للمقام، وذكر أن في الكلام تجوزين. أحدهما في
(١٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 126 127 128 129 130 131 132 133 134 135 136 ... » »»